فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ١٣٥
في حال وجده بالله بحيث كان يشعب على الطائفين حال طوافه فكان يطوف على سطح الحرم وكان صادق الحال فابتلي بحب مغنية فانتقل وجده إليها والناس يظنون أنه في الله فجاء إلى الصوفية ورمى خرقته وذكر قصته وقال: لا أكذب في حالي ولزم خدمة المغنية فأخبرت أنه من الأولياء وابتلي فاستحيت وتابت ببركة صدقه ولزمت خدمته فزال ذلك التعلق من قلبه ورجع لحاله فلبس خرقته ولم ير أن يكذب مع الله في حاله فهذا حال صدقهم فليحذر من الكذب في ذلك ولا يظهر للناس إلا ما يظهر لله، إلى هنا كلامه، وفي حكمة الأشراف صاحب الرياء عند الصوفية كمنافق علمت منه الطوية فكلما أراد أن يستر ما علموا كذبوه وفضحوه.
ومهما يكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم قال: ومن المرائين قوم زينوا ظاهرهم وتشبهوا بالفقراء ناصبين شبكة احتيالهم على العوام فإن كان ذلك حظهم من الله فيا فضيحتهم بين يديه. وروى ابن كامل في معجمه وابن النجار في تاريخه عن أنس قال: وعظ النبي صلى الله عليه وسلم يوما فإذا رجل قد صعق فقال صلى الله عليه وسلم: من ذا الذي لبس علينا ديننا إن كان صادقا فقد شهد نفسه وإن كان كاذبا محقه الله.
- (طس عن أبي هريرة) قال المنذري: ضعيف وقال الهيثمي: فيه إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذاب اه‍ فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب.
8593 - (من تشبه بقوم) أي تزيا في ظاهره بزيهم وفي تعرفه بفعلهم وفي تخلقه بخلقهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن (فهو منهم) وقيل المعنى من تشبه بالصالحين وهو من أتباعهم يكرم كما يكرمون ومن تشبه بالفساق يهان ويخذل كهم، ومن وضع عليه علامة الشرف أكرم وإن لم يتحقق شرفه وفيه أن من تشبه من الجن بالحيات وظهر بصورتهم قتل وأنه لا يجوز الآن لبس عمامة زرقاء أو صفراء كذا ذكره ابن رسلان، وبأبلغ من ذلك صرح القرطبي فقال: لو خص أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم فقد يظن به من لا يعرفه أنه منهم فيظن به ظن السوء فيأثم الظان والمظنون فيه بسبب العون عليه، وقال بعضهم:
قد يقع التشبه في أمور قلبية من الاعتقادات وإرادات وأمور خارجية من أقوال وأفعال قد تكون عبادات وقد تكون عادات في نحو طعام ولباس ومسكن ونكاح واجتماع وافتراق وسفر وإقامة وركوب وغيرها وبين الظاهر والباطن ارتباط ومناسبة وقد بعث الله المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنة وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان مما شرعه له من الأقوال والأفعال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين فأمر بمخالفتهم في الهدى الظاهر في هذا الحديث وإن لم يظهر فيه مفسدة لأمور منها أن المشاركة في الهدى في الظاهر تؤثر تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين تعود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس فإن لابس ثياب العلماء مثلا يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ولابس ثياب الجند المقاتلة مثلا يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم وتصير طبيعته منقادة لذلك إلا أن يمنعه مانع ومنها أن المخالفة في الهدى الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى والرضوان ومنها أن مشاركتهم في الهدى للظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرا بين المهدبين المرضيين وبين المغضوب عليهم
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست