فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٦٧
عملا) * فهو كعبد أرسله سيده في حاجة فهو إما غريب أو عابر سبيل فحقه أن يبادر لقضائها ثم يعود إلى وطنه وهذا أصل عظيم في قصر الأمل وأن لا يتخذ الدنيا وطنا وسكنا بل يكون فيها على جناح سفر مهيأ للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم وفيه حث على الزهد والإعراض عن الدنيا والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بد له من مركب وزاد ورفقاء وطريق يسلكها فالمركب نفسه ولا بد من رياضة المركوب ليستقيم للراكب والزاد التقوى والرفقاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والصراط المستقيم وإذا سلك الطريق لم يزل خائفا من القطاع إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع (أو عابر سبيل) قال الطيبي: الأحسن جعل أو بمعنى بل شبه الناسك السالك بغريب لا مسكن له يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل لأن الغريب قد يسكن بلد الغربة وابن السبيل بينه وبين مقصده أودية رديئة ومفارز مهلكة وقطاع وشأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة قال بعض العارفين: الأرواح خلقت قبل الأجساد ثم أفيضت من عالمها العلوي النوراني فأودعت هذا الجسد الترابي الظلماني فاجتمعا اجتماع غربة كل منهما يشير إلى وطنه ويطير إلى مسكنه فالبدن أخلد إلى الأرض والروح بدون السمو لم ترض.
راحت مشرقة ورحت مغربا * شتان بين مشرق ومغرب (خ) في الرقاق (عن ابن عمر) بن الخطاب (زاد حم د ت ه وعد نفسك من أهل القبور) أي استمر سائرا ولا تفتر فإن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية فلا تتنافس في عمارة الدور فعل المستوطن المغرور فيأتيك الموت من غير استعداد وتقدم على سفر الآخرة بغير زاد، رواه العسكري وزاد: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فإنه لا تدري ما اسمك غدا قالوا: وذا من جوامع الكلم.
6422 - (كن ورعا تكن أعبد الناس) أي داوم عليه في جميع الحالات حتى يصير طبعا لك فتكون أعبد الناس لدوام مراقبتك واشتغالك بأفضل العبادات بظاهرك وباطنك بإيثار حقك على حظك وهذا كمال العبودية ولهذا قال الحسن: ملاك الدين الورع وقد رجع ابن المبارك من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها وأبو يزيد إلى همدان لرد نملة وجدها في قرطم اشتراه وقال: غريبة عن وطنها وابن أدهم من القدس للبصرة لرد تمرة، فانظر إلى قوة ورع هؤلاء وتشبه بهم إن أردت السعادة (وكن قنعا تكن أشكر الناس) لأن العبد إذا قنع بما أعطاه الله رضي بما قسم له وإذا رضي شكر فزاده الله من فضله جزاء لشكره وكلما زاد شكرا ازداد فضلا * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * (وأحب للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مؤمنا) أي كامل الإيمان لإعراضك عن هواك وإن لم تحب لهم ما تحب لنفسك فأنت مؤمنا ناقص الإيمان لمتابعتك هواك (وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما) أي كامل الإسلام فإن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه (وأقل الضحك فإن كثرة
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست