فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٦٤٩
ريشة يعني أن القلب في سرعة تقلبه لحكمة الابتلاء بخواطر ينحرف مرة إلى حق ومرة إلى باطل وتارة إلى خير وتارة إلى شر وهو في مقره لا ينقلب في ذاته غالبا إلا بقاهر مزعج من خوف مفرط (تقلبها الرياح بفلاة) لفظ رواية أحمد بأرض فلاة أي بأرض خالية من العمران فإن الرياح أشد تأثيرا فيها منها في العمران وجمع الرياح لدلالتها على التقلب ظهرا لبطن إذ لو استمر الريح لجانب واحد لم يظهر التقلب كما يظهر من الرياح المختلفة. ولفظه بفلاة مقحمة فهو كقولك أخذت بيدي ونظرت بعيني تقريرا ودفعا للتجوز، قال: وتقلبها صفة أخرى لريشة وقال المظهر: ظهرا بدل بعض من الضمير في تقلبها واللام في بعض بمعنى إلى ويجوز أن يكون ظهرا لبطن مفعولا مطلقا أي تقلبها تقليبا مختصا وأن يكون حالا أي تقلبها مختلفة أي وهي مختلفة ولهذا الاختلاف سمي القلب قلبا وقال الراغب: قلب الشئ صرفه عن وجه إلى وجه وسمي قلبا لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغيرها. وقال الغزالي: إنما كان كثير التقلب لأنه منزله الإلهام [ص 509] والوسوسة وهما أبدا يقرعانه ويلقنانه وهو معترك المسكرين الهوى وجنوده والعقل وجنوده فهو دائما بين تناقضهما وتحاربهما والخواطر له كالسهام لا تزال تقع فيه كالمطر لا يزال يمطر عليه ليلا ونهارا وليس كالعين التي بين جفنين تغمض وتستريح أو تكون في ليل أو ظلمة أو اللسان الذي هو من وراء حجا بين الأسنان والشفتين وأنت تقدر على تسكينه بل القلب عرش الخواطر لا تنقطع عنه بحال والآفات إليه أسرع من جميع الأعضاء فهو إلى الانقلاب أقرب ولهذا خاف الخواص على قلوبهم وبكوا عليها وصرفوا عنايتهم إليها ومقصود الحديث أن يثبت العبد عند تقلب قلبه وينظر إلى همومه بنور العلم فما كان خيرا أمسك القلب عليه وما كان شرا أمسكه عنه. - (ه) في باب الإيمان بالقدر (عن أبي موسى) الأشعري قال الصدر المناوي: سنده جيد ولهذا رمز المصنف لحسنه وظاهر صنيعه أنه لم يره لأعلى من ابن ماجة ولا أحق بالعزو منه مع أن الإمام أحمد رواه أيضا باللفظ المذكور عن أبي موسى ورواه البيهقي والطبراني أيضا عن أبي موسى الأشعري قال الحافظ العراقي: وسنده حسن.
8136 - (مثل الذي يعتق) زاد في رواية ويتصدق (عند الموت) أي عند احتضاره (كمثل الذي يهدى إذا شبع) لأن أفضل الصدقة إنما هي عند الطمع والدنيا والحرص على المال فيكون مؤثرا لآخرته على دنياه صادرا فعله عن قلب سليم ونية مخلصة فإذا أخر فعل ذلك حتى حضره الموت كان استئثارا دون الورثة وتقديما لنفسه في وقت لا ينتفع به في دنياه فينقص حظه وإن كان الله قد أعطاه له فشبه ترك تأخير الصدقة عن أوانه ثم تداركه في غير أوانه بمن تفرد بالأكل واستأثر لنفسه ثم إذا شبع يؤثر به غيره وإنما يحمد إذا كان عن إيثار * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * وما أحسن موقع يهدي في هذا المقام لدلالته على الاستهزاء والسخرية. - (حم ت) في الوصايا وحسنه (ن ك) في الوصايا (عن أبي الدرداء) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حجر: إسناده حسن وصححه ابن حبان ورواه البيهقي بزيادة الصدقة فقال: مثل الذي يتصدق عند موته أو يعتق كالذي يهدي إذا شبع.
(٦٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 654 ... » »»
الفهرست