فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٢٤٦
6932 - (كان يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته) قال حجة الإسلام: الجاهل يظن أن ذلك وما يجئ في الحديث بعده من حب التزين للناس قياسا على أخلاق غيره وتشبيها للملائكة بالحدادين وهيهات فقد كان مأمورا بالدعوة وكان من وظائفه أن يسعى في تعظيم أمر نفسه في قلوبهم لئلا تزدريه نفوسهم وتحسين صورته في أعينهم فينفرهم ذلك ويتعلق المنافقون به في تنفيرهم وهذا الفعل واجب على كل عالم تصدى لدعوة الخلق إلى الحق. - (ع عن سلمة بن الأكوع).
6933 - (كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها) هكذا في نسخ هذا الجامع والذي رأيته في سياق ابن الجوزي للحديث كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها بالسوية هكذا ساقه فلعل لفظ بالسوية سقط من قلم المؤلف وذلك ليقرب من التدوير جميع الجوانب لأن الاعتدال محبوب والطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين فلعل ذلك مندوب ما لم ينته إلى تقصيص اللحية وجعلها طاقة فإنه مكروه وكان بعض السلف يقبض على لحيته فيأخذ ما تحت القبضة وقال النخعي: عجبت للعاقل كيف لا يأخذ من لحيته فيجعلها بين لحيتين فإن التوسط في كل شئ حسن ولذلك قيل كلما طالت اللحية تشمر العقل كما حكاه الغزالي ففعل ذلك إذا لم يقصد الزينة والتحسين لنحو النساء سنة كما عليه جمع منهم عياض وغيره لكن اختار النووي تركها بحالها مطلقا وأما حلق الرأس ففي المواهب لم يرو أنه حلق رأسه في غير نسك فتبقية شعر الرأس سنة ومنكرها مع علمه بذلك يجب تأديبه اه‍. ثم إن فعله هذا لا يناقض قوله أعفوا اللحى لأن ذلك في الأخذ منها لغير حاجة أو لنحو تزين وهذا فيما إذا احتيج إليه لتشعث أو إفراط يتأذى به وقال الطيبي: المنهي عنه هو قصها كالأعاجم أو وصلها كذنب الحمار وقال ابن حجر: المنهي عنه الاستئصال أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور.
تتمة: قال الحسن بن المثنى: إذا رأيت رجلا له لحية طويلة ولم يتخذ لحيته بين لحيتين كان في عقله شئ وكان المأمون جالسا مع ندمائه مشرفا على دجلة يتذاكرون أخبار الناس فقال المأمون: ما طالت لحية إنسان قط إلا ونقص من عقله بقدر ما طالت منها وما رأيت عاقلا قط طويل اللحية فقال بعض جلسائه: ولا يرد على أمير المؤمنين أنه قد يكون في طولها عقل فبينما هم يتذاكرون إذ أقبل رجل طويل اللحية حسن الهيئة فاخر الثياب فقال المأمون: ما تقولون في هذا فقال بعضهم: عاقل وقال بعضهم: يجب كونه قاضيا فأمر المأمون بإحضاره فوقف بين يديه فسم فأجاد فأجلسه المأمون واستنطقه فأحسن النطق فقال المأمون: ما اسمك قال: أبو حمدويه والكنية علوية، فضحك المأمون وغمز جلساءه ثم قال:
ما صنعتك قال: فقيه أجيد الشرع في المسائل فقال: نسألك عن مسألة ما تقول في رجل اشترى شاة فلما تسلمها المشتري خرج من استها بعرة ففقأت عين رجل فعلى من الدية قال: على البائع دون المشتري لأنه
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست