الإنسان يظن أن فيه الهلكة فإذا وجدت نفسك ترتاب من شئ فاتركه فإن نفس المؤمن الكامل تطمئن إلى الصدق الذي فيه النجاة من المهالك وترتاب من الكذب فارتيابك في شئ أمارة كونه حراما فاحذره واطمئنانك ك علامة كونه حقا فخذ به ذكره القاضي قال: والنفس إذا ترددت في أمر وتحيرت فيه وزال عنها القرار استتبع ذلك العلاقة التي بينها وبين القلب الذي هو المتعلق الأول لها فتنتقل العلاقة إليه من تلك الهيئة أثرا فيحدث فيه خفقان واضطراب ربما يسري هذا الأثر إلى سائر القوى فتحس بانحلال وانهزال فإذا زال ذلك عن النفس وجدت لها قرارا وطمأنينة وقيل المعنى بهذا الأمر أرباب البصائر من أهل النظر والفكرة المستقيمة وأهل الفراسات من ذوي النفوس المرتاضة والقلوب السليمة فإن نفوسهم بالطبع تصبو إلى الخير وتنبو عن الشر فإن الشئ يتحبب إلى ما يلائمه وينفر عما يخالفه فيكون ما يلهمه الصواب غالبا (ابن قانع) في المعجم (عن الحسن بن علي).
4213 (دع ما يريبك) أي اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا أو حلالا أو حراما (إلى ما لا يريبك) أي واعدل إلى ما لا شك فيه يعني ما تيقنت حسنه وحله (فإن الصدق طمأنينة) أي يطمئن إليه القلب ويسكن وفيه إضمار أي محل طمأنينة أو سبب طمأنينة (وإن الكذب ريبة) أي يقلق القلب ويضطرب وقال الطيبي: جاء هذا القول ممهدا لما تقدمه من الكلام ومعناه إذا وجدت نفسك ترتاب في الشئ فاتركه فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق وترتاب من الكذب فارتيابك من الشئ منبئ عن كونه مظنة للباطل فاحذره وطمأنينتك للشئ مشعر بحقيقته فتمسك به والصدق والكذب يستعملان في المقال والأفعال وما يحق أو يبطل من الاعتقاد وهذا مخصوص بذوي النفوس الشريفة القدسية المطهرة عن دنس الذنوب ووسخ العيوب اه والحاصل أن الصدق إذا مازج قلب الكامل امتزج نوره بنور الأيمان فاطمأن وانطفأ سراج الكذب فإن الكذب ظلمة والطلمة لا تمازج النور (حم ت) في الزهد (حب عن الحسن) بن علي قال الحاكم: حسن صحيح وقال الذهبي: سنده قوي ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجة فما أوهمه صنيع المؤلف من تفرد الترمذي به من بين الستة غير صحيح.
4214 (دع ما يريبك ك إلى ما لا يريبك) بفتح الياء وضمها والفتح أفصح (فإنك لن تجد فقد شئ تركته لله) ولهذا قال بعضهم: الورع كله في ترك ما يريب إلى ما لا يريب وفي هذه الأحاديث عموم يقتضي أن الريبة تقع في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الأحكام وإن ترك الريبة في ذلك كله ورع قالوا: وهذه الأحاديث قاعدة من قواعد الدين وأصل في الورع الذي عليه مدار اليقين وراحة من ظلم