فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٦٣٧
بكلام الله بعد مشاهدات السر ومقامات القلوب في خير الناس (وأفقهم في دين الله) لأن الفقه في الدين صناعة المصطفى صلى الله عليه وسلم الموروثة عنه والعلماء ورثة الأنبياء قال في بحر الفوائد: وهم الفقهاء والعلماء بالإطلاق هم الفقهاء والعلماء بسائر العلوم علماء على التقييد إلى علمهم والوارث يرث المال لا الجاه فمقام القارئ مقام الوصي عن الميت ومقام الفقيه مقام الوارث والوصي يقوم مقام الميت نفسه دون الوارث والوصي يقدم على الوارث فلذا قدم القارئ (وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر) لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما قيام نظام النواميس الدينية فينبغي لمن يقوم بهذه الوظيفة أن ينظر نظرا خالصا ويتأمل في العواقب وما يترتب على الأمر والنهي فقد تكون المفسدة المترتبة عليهما أشد من المفسدة المرتبة على تركهما كمن يتعاطى المنكر بجواره ويخيفه ولا يكثر فعله خوفا أن يبلغه فإذا نهاه فقد أزعجه من جواره فكأنه يقول له افعل ما شئت بعد أن لا أراك فينتقل إلى محل بين فساق يأمن فيه فيتجاهر، حكي عن العياض أنه زاره بعض الأعاظم فسمع بجواره صوت عود فأعظم ذلك وذكره له ظانا أنه يجهله فقال هذا جاري منذ سنين وأعرف منه وأعظم منه ولم أنكر عليه قط فإنه يترك كثيرا من المعاصي خوفا أن تبلغني ولو أعلمته تحول فسكن محلا لا يحتشم فيه أحد فيكون إغراء مني له على إكثار المعصية والتجاهر بها (وأوصلهم للرحم) أي القرابة (حم طب هب عن درة) بضم الدال المهملة وشد الراء (بنت) عم المصطفى صلى الله عليه وسلم (أبي لهب) من المهاجرات قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: أي الناس خير فذكره قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات وفي بعض كلام لا يضر.
4033 (خير الناس) أهل (قرني) أي عصري من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم يعني أصحابي أو من رآني ومن كان حيا في عهدي ومدتهم من البعث نحو مائة وعشرين سنة قال الزمخشري: والقرن الأمة من الناس سميت قرنا لتقدمها على التي بعدها (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون وهم من مائة إلى تسعين (ثم الذين يلونهم) أتباع التابعين وهم إلى حدود العشرين ومائتين ثم ظهرت البدع وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم بالقول بخلق القرآن ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن (ثم يجئ أقوام) جمع قوم (تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) أي في حالين لا في حالة واحدة لأنه دور. قال البيضاوي كالكرماني: هم قوم حراص على الشهادة مشغوفون بترويجها يحلفون على ما يشهدون به تارة يحدثون قبل أن يشهدوا وتارة يعكسون واحتج به من رد شهادة من حلف معها والجمهور على خلافه وقضية الحديث أن كلا من القرون الثلاثة
(٦٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 642 ... » »»
الفهرست