فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٣٣
العبد يجعل له السبيل لقطعها * (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) * فالمغفرة نورها ساطع وهو نور الرأفة فإذا جاءت الرأفة وجد العبد قلبا وذهبت الحيرة وشجعت النفس فمضت (ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السعفة) أي يضطرب كما تضطرب وتهتز أغصان النخل (فجاءه حسن ظنه بالله) تعالى (فسكن) بالتشديد (رعدته) بكسر الراء فحسن الظن من المعرفة بالله وعظم أمل العبد ورجائه لربه من المعرفة فلا يضيع الله معرفة العبد لأنه الذي من عليه بها فلم يرجع في منه وقابله بأن أعطاه حسن الظن به في الدنيا من تلك المعرفة وحقق ظنه فأنجاه وسكن رعدته حتى مضى والرعدة الاضطراب يقال أصابته رعدة من البرد والخوف اضطراب وارتعد وأرعد وأرعده الخوف ورجل رعديد بالكسر ورعديدة جبان تصيبه رعدة من الخوف وقال الزمخشري: ومن المجاز رعد لي فلان وأبرق أرعد والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص فإن جرد الخوص قيل جريد (ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط) أي يجر أسته عليه لا يستطيع المشي (مرة ويحبو مرة) لفظ رواية الحكيم يزحف أحيانا ويحبو أحيانا هذا صريح في أن الحبو يغاير الزحف والذي في الصحاح والأساس وغيرهما أن الحبو الزحف فليحرر (فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز) أي حتى قطع الصراط ونفذ منه ومضى إلى الجنة سالما يقال جاز المكان يجوزه سار فيه وأجازه بالألف قطعه وأجازه نفذه وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة ولفظ رواية الحكيم بذل حتى جاز فأقامته ومضى على الصراط وذلك لأن الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم تأخذ بيده في وقت عثراته بمنزلة الطفل إذا مشى فتعثر في مشيه عجل إليه أبوه فبادر حتى يأخذ بيده فيقيمه فصارت صلوات العباد على نبيهم بمنزلة ذلك الأب العطوف الذي كلما عثر ولده بادر لعطفه بحفظه وإقامته (ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله فاكتفى بأحد الشقين عن الآخر لكونه معروفا بينهم (فأخذت بيده فأدخلته الجنة) أي فتحت له الأبواب التي أغلقت دونه فدخلها لأن هذه كلمة جامعة جعلت مفتاحا لأبواب الجنة وقد جاء في حديث إن المؤمنين يدعون من باب الجنة وإن أبوابها مقسومة على أبواب البر فباب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للحج وباب للجهاد وباب للأرحام وباب لمظالم العباد وهو آخرها فهذه سبعة أبواب مقسومة على أعمال البر وكذلك أبواب النيران مقسومة على أهلها ولكل باب منهم جزء مقسوم وباب للجنة زائد لأهل الشهادة يسمى باب التوبة فأري رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام هذه الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق ووحي ليعلم العباد قوة هذه الأفعال الصادرة من العبيد أيام الدنيا ينادى لكل نوع
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست