الهوى والشهوة ثم لم يفارقوها إلا بمفارقة الروح ومن ترك الهوى والشهوة سكن عطشه وروى برحمة الله وخرج من قبره إلى الله ريانا فأولئك الذين يسبقون إلى دخول الجنة قال في مختار الصحاح كأصله واللهثان بفتح الهاء العطش وبسكونها العطشان والمرأة لهثى وبابه طرب ولهاثا أيضا بالفتح واللهاث بالضم حر العطش ولهث الكلب أخرج لسانه من العطش والتعب قال الزمخشري: من المجاز هو يقاسي لهاث الموت شدته (ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة) يعني احتاطت به الظلمة من جميع جهاته الست بحيث صار مغموسا فيها مغمورا (فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة) إلى النور والظلمة عدم النور وجمعها ظلم وظلمات كغرف وغرفات في وجوهها والظلام أول الليل والظلماء الظلمة (ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت) أي عزرائيل عليه السلام على ما اشتهر قال ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر (ليقبض روحه) أي ينزعها من جسده ويأخذها يقال قبضت الشئ قبضا أخذته (فجاءه بره) بكسر الباء (بوالديه فرده عنه) أي رد ملك الموت عن قبض روحه في ذلك الوقت لما أن بر الوالدين يزيد في العمر وقد جاء ذلك في عدة أخبار وذلك بالنسبة لما في اللوح أو الصحف أما العلم الأزلي فلا يتغير قال الحكيم: فبر الوالدين شكر لأنه قال * (اشكر لي ولوالديك إلي المصير) * فإذا برهما فقد شكرهما وقال في تنزيله * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * وإنما وجد العبد العمر من ربه في وقت انفصاله من أمه وقد كان في البطن حياة ولم يكن عمر فلما خرج أعطي العمر بمقدار فإذا وصل والديه ببر كان قد وصل الرحم الذي منه خرج والصلب الذي منه جرى فكان فعله ذاك شكرا فزيد منه العمر الذي شكر من أجله فرد عنه ملك الموت، يعلمك في هذا الحديث أن العبد إذا وصل رحمه زيد في عمره لأنه بالصلة صار شاكرا فشكر الله له ووفى له بما وعد في تنزيله فزاد في عمره (ورأيت رجلا من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءته صلة الرحم) بكسر الصاد إحسانه إلى أقاربه بالقول والفعل (فقالت إن هذا كان واصلا لرحمه) أي بارا لهم محسنا إليهم كما تقرر.
قال الزمخشري: ومن المجاز وصل رحمه وأمر الله بصلة الرحم أي القرابة (فكلمهم وكلموه وصار معهم) هكذا ساقه المصنف والذي رأيته في خط مخرجه الحكيم رأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه فكلموه انتهى فالرحم أصل المؤمنين كلهم فمن تمسك بصلاته فقد أرضى المؤمنين كلهم ومن قطعها فقد أغضبهم كلهم وأيسوا من خيره وانقطعت الرحمة عنه لأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم كما في حديث (ورأيت رجلا من