فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
الحياة الحقيقية وعده علينا من الآلاء في قوله * (كل من عليها فان) * ونبه بقوله * (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * على أن هذه التغيرات لخلق أحسن فنقض هذه البينة لإعادتها على وجه أشرف قال أبو داود: ما من مؤمن إلا والموت خير له فمن لم يصدق فإن الله يقول: * (وما عند الله خير للأبرار) * وقال حبان بن الأسود: والموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب والمؤمن كريم على ربه فإذا قدم عليه أتحفه ولقاه روحا وريحانا وأمر له في قبره بكسوة ورياحين وبرد مضجعه وآنسه بملائكة كرام إلى أن يلقاه وقال الإمام الرازي: الموت سبب لخلاص الروح عن رحمة البدن والاتصال بحضرة الله ورحمته فكيف يعد من المكاره؟ ومن ثم تمناه كثير وتمنى آخرون طول البقاء لإقامة الدين وإكثار العمل الصالح الرافع للدرجات المذهب للخطيئات وفرقة ثالثة لم تختر شيئا بل اختارت ما اختار الحق لها ومنهم الصديق قيل له في مرضه ألا ندعو لك طبيبا قال: قد رآني قال: فما قال؟ قال: قال أنا الفعال لما أريد. (تنبيه) قال العارف ابن عربي: العارف أخرس منقطع منقمع خائف متبرم بالبقاء في هذا الهيكل وإن كان منورا لما عرفه الشارع أن الموت لقاء الله وأنه تحفة له فنغصت عليه الحياة الدنيا شوقا إلى ذلك اللقاء فهو صاف العيش رطيب الحياة في نفس الأمر لا في نفسه قد ذهب عنه كل مخوف وهابه كل ناظر إذا رؤي ذكر الله وأنس بالله بلا فصل ولا وصل. (تتمة) ذهب بعض الصوفية إلى أن المراد بالموت في هذا الخبر ونحوه فناء اختيار العبد في مراد الله قال فلا يعارض ذلك الأحاديث المصرحة بأن حياة المؤمن أحسن من موته ومما جمع به أيضا أن الموت في حق من لم يصبر على الزمان وسخط الأقدار والحياة في الصابر على الأقدار المسلم لها (طب حل ك) في الرقاق (هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أبو نعيم: غريب من حديثه لم يروه عنه غير أبي عبد الرحمن الجيلي قال المنذري: بعد عزوه للطبراني إسناده جيد ورواه عنه القضاعي في الشهاب وقال شارحه حسن غريب وقال الحاكم: صحيح ورواه الذهبي بأن فيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف اه‍. لكن قال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات وأفاد الحافظ العراقي أنه ورد من طريق جيد فقال: رواه محمد بن خفيف الشيرازي في شرف الفقراء والديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بسند لا بأس به ورواه الديلمي من حديث ابن عمر بسند ضعيف جدا اه‍. وبه يعرف أن المصنف قصر حيث اقتصر على عزوه للطرق التي لا تخلو عن مقال وإهمال الطريق السالمة عن الإشكال.
(1) ولله در من قال:
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا * في الموت ألف فضيلة لا تعرف منها أمان عقابه بلقائه * وفراق كل معاشر لا ينصف 3258 (تحفة المؤمن في الدنيا الفقر) لأنه سبحانه لم يفعله إلا لعلمه بأنه لا يصلحه إلا هو وأن الغنى يطغيه وقد يختار للعبد ما لا مصلحة له فيه فيرده مولاه إلى ما يعلمه أنه الأصلح الأنفع له قال كعب الأحبار: قال الله تعالى: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين (فر عن معاذ) بن جبل وفيه يعقوب بن الوليد المدني قال الذهبي في الضعفاء: كذبه أحمد والناس وقال السخاوي: حرف اسمه على بعض رواته فسماه إبراهيم وللحديث طرق كلها واهية.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»
الفهرست