وخصهما لأنهما مراكب العرب غالبا إن لم يكن دائما فالراكب على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك (أو على ظهر قدميه) أي ماشيا على قدميه ولفظ الظهر مقحم ويستمر ملازما على ذلك (حتى يأتيه الموت) بالقتل في سبيل الله أو بغيره (وإن من شر الناس رجلا فاجرا) أي منبعثا في المعاصي (جريئا) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة مثل ضخم ضخامة والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام (يقرأ كتاب الله) القرآن (لا يرعوى) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شئ منه) أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده. (تنبيه) قد أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة مستدلين له بهذا الحديث ونحوه. وقال قوم: الناس يخلقون أخيارا بالطبع ثم يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشره والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون:
الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر مطلقا واستدلوا بقوله تعالى: * (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * قال في الفردوس: الارعواء الندم على الشئ والانصراف عنه والترك له (حم ن ك عن أبي سعيد) الخدري قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فذكره.
2859 (ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن) قالوا: أخبرنا قال: (الصمت) أي الإمساك عن الكلام فيما لا يعنيك (وحسن الخلق) بالضم أي مع الناس ومن ثم قال الداراني: المعرفة إلى السكوت أقرب منها إلى الكلام وروي أن عيسى عليه السلام قام خطيبا فقال: يا بني إسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم والأمور ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله تعالى.
قال الماوردي: وهذا الحديث جامع لآداب العدل في الأحوال كلها (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب فضل (الصمت عن صفوان بن سليم) بضم المهملة وفتح اللام الزهري الإمام القدوة (مرسلا) قال الحافظ العراقي: رجاله ثقات وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسندا وهو عجيب فقد خرجه أبو الشيخ [ابن حبان] في طبقات المحدثين عن أبي ذر وأبي الدرداء مرفوعا وسنده ضعيف فإن قلت: إنما عدل للمرسل لأن سنده أمثل قلت: كان عليه الجمع بينهما كما هو عادته كغيره في مثله في هذا الكتاب وغيره.