فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٢٧
لكن لم يوضحوا صفاته وأنا أوضحها غاية الإيضاح حتى كأنكم ترونه عيانا (إنه أعور) العين اليمنى كما في رواية وفي أخرى اليسرى وجمع بأن أحدهما ذاهبة والأخرى معيبة وأصل العور العيب فيصدق عليهما واقتصر عليه مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكن العور أثر محسوس يدركه حتى الجاهل ومن لا يهتدي للأدلة القطعية (1) (وأنه يجئ معه تمثال الجنة والنار) هذا بالنسبة للرائي فإما بالسحر فيخيل الدجال الشئ بصورة عكسه أو يجعل الله باطن الجنة نارا وعكسه أو كنى عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار (فالتي يقول إنها الجنة هي النار) أي سبب للعذاب بالنار يعني من دخل جنته استحق النار لأنه صدقه فأطلق اسم المسبب على السبب (وإني أنذركم) به (كما أنذر) به (نوح قومه) خصه به لأنه أول نبي أنذر قومه أي خوفهم ولأنه أول الرسل وأبو البشر الثاني وليس إنذاره خوفا من فتنته على العارفين بالله تعالى إذ لا يتخالجهم في الله الظنون إذ * (ليس كمثله شئ) * وإنما أعلم أن خروجه يكون في شدة من الزمان وأن يستولي على مواشيهم فتتبعه أقوام بأبدانهم ويصدقونه بألسنتهم وإن عرفوا كذبه لا يقال إذا كان خروجه إنما هو في هذه الأمة فلم أنذر الأنبياء السابقون به أممهم لأنا نقول بأن الأنبياء شاهدوا دقائق الكون واجتمع كله فيهم في آن واحد حتى صار كأنه كله جوهرة واحدة فصاروا عند غلبة التجليات على قلوبهم تندرج جميع الزمان لهم ويلوح لهم الأمر من وراء كل وراء وتضمحل الحجب وذلك طور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبدا وقت التجلي فباندراج مسافات الأزمان وتداخلها وامتزاج بعضها ببعض صار عندهم الأزمان كلها كأنه زمن واحد فتدبر.
(ق عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضا.
(1) فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب.
2849 (ألا) قال الطيبي: صدر الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم إيذانا بعظم المحدث به (أحدثكم بما) أي بالعمل الذي (يدخلكم الجنة؟) قالوا: بلى يا رسول الله حدثنا قال: (ضرب بالسيف) أي قتال به في سبيل الله لإعلاء كلمة الله (وإطعام الضيف) لوجه الله لا رياء وسمعة كما يفعله كثير الآن (واهتمام بمواقيت الصلاة) أي بدخول أوقات الصلاة لإيقاع الصلاة أول وقتها يقال اهتم الرجل بالأمر قام به ويطلق الهم والاهتمام على العزم القوي والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت وهو مقدار من الزمان مفروض لأمر ما، وكل شئ قدرت له حينا فقد وقته توقيتا (وإسباغ الطهور) أي إتمام الوضوء أو الغسل قال في الصحاح: شئ سابغ أي كامل واف وسبغت النعمة اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أتمها وإسباغ الوضوء إتمامه قال الزمخشري: ومن المجاز أسبغ وضوءه (في الليلة القرة) بالتشديد أي الشديدة البرد قال في الصحاح: ليلة قارة وقرة بالفتح أي باردة ويوم قار وقر بالفتح بارد
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست