فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٧٠
مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة (في قلبه) لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه (نكتة) أي أثر قليل كنقطة (سوداء) في صقيل كمرآة وسيف وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه، قال الحرالي وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر (فإن هو نزع) أي أقلع عنه وتركه (واستغفر الله وتاب) إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماما بشأنهما (صقل) وفي نسخة سقل بسين مهملة أي رفع الله تلك النكتة فينجلي (قلبه) بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت (وإن عاد) إلى ذلك الذنب أو غيره (زيد) بالبناء للمفعول (فيها) نكتة أخرى وهكذا (حتى تعلو على قلبه) أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرا ولا يثبت فيه خير ومن ثم قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر أي رسوله باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد وعمته يصير لا يقبل خيرا قط فيقسو ويخرج منه كل رأفة ورحمة وخوف فيرتكب ما شاء ويفعل ما أراد ويتخذ الشيطان وليا من دون الله فيضله ويغويه ويعده ويمنيه ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلا * (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا) * [النساء: 119] (رهو الران) أي الطبع (1) (الذي ذكره الله) تعالى في كتابه بقوله عز قائلا (كلا بل ران) أي غلب واستولى (على قلوبهم) الصدأ والدنس (ما كانوا يكسبون) من الذنوب قال القاضي المعنى بالقصد الأول في التكليف بالعمل الظاهر والأمر بتحسينه والنهي عن قبيحة هو ما تكتسب النفس منه من الأخلاق الفاضلة والهيئات الذميمة فمن أذنب ذنبا أثر ذلك في نفسه وأورث لها كدورة فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر وصارت النفس صقيلة صافية وإن انهمك وأصر زاد الأثر وفشي في النفس واستعلى عليها فصار طبعا وهو الران، وأدخل التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ فأجرى مجرى النفس وشبه ثائر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث كونهما يضادان الجلاء والصفاء وأنث الضمير الذي في كانت العائد لما دل عليه أذنب لتأنيثها على تأول السيئة إلى هنا كلامه، قال الطيبي وروي نكتة بالرفع على أن كان تامة فلا بد من الراجع أي حدث نكتة منه أي من الذنب قال المظهري وهذه الآية نازلة في حق الكفار لكن ذكرها في الحديث تخويفا للمؤمنين ليحترزوا عن كثرة الذنوب لأن المؤمن لا يكفر بكثرتها لكن يسود قلبه بها فيشبه الكفار في اسوداده فقط وقال الحكيم الجوارح مع القلب كالسواقي تصب في بركة وهي توصل إلى القلب ما يجري فيها فإن أجري فيها ماء الطاعة وصل إلى القلب فصفا، أو ماء المعصية كدر وأسود فلا يسلم القلب إلا بكف الجوارح وأعظمها غض البصر عما حرم وقال الغزالي القلب كالمرآة ومنه الآثار

(1) قال العلقمي هو شئ يعلو على القلب كالغشاء الرقيق حتى يسود ويظلم.
(٤٧٠)
مفاتيح البحث: النهي (1)، الغلّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»