فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٥١
2033 - (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء) بفتح الراء والمد بلد على نحو ستة وثلاثين ميلا أو أربعين من المدينة أي يبعد الشيطان من المصلي بعد ما بين المكانين أو التقدير يكون الشيطان مثل الروحاء في الخمود والبعد ذكره الطيبي وذلك لئلا يسمع صوت المؤذن وقصد الشارع بهذا الحديث الإرشاد إلى طريق محاربة الشيطان فإن الإنسان بصدد عبادة الحق ودعوة الحق إليه بفعله والشيطان أبدا بصدد أن يناقضك ويكايدك وعليك أن تنتصب لمحاربته وقهره وإبعاده فمن أعظم ما يقهره ويبعده ويزجره الأذان وملازمة الذكر في جميع الأحيان (تنبيه) قال العارف ابن عربي في توجيهه إدبار الشيطان عند الأذان حكمته أن الله تعالى قد أمر الخلائق بإشهادهم على أنفسهم بالبراءة من الشرك ألا ترى إلى قول هود عليه السلام لقومه * (أشهد الله وأشهدوا أني برئ مما تشركون) * [هود: 54] فأشهدهم مع كونهم مكذبين به على أنفسهم بالبراءة من الشرك والإقرار بالأحدية لما علم أنه سبحانه وتعالى سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة عليهم أو لهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته فلذلك شهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس وكل من سمعه ولذلك يدبر الشيطان عند الأذان وله ضراط لئلا يسمع المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيصير بتلك الشهادة من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض لعنه الله (م) عن أبي هريرة.
2034 - (إن الشيطان قد يئس) في رواية أيس (أن يعبده المصلون) أي من أن يعبده المؤمنون يعني من أن تعبد الأصنام * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * [مريم: 44] قال البيضاوي رحمه الله تعالى عبادة الشيطان عبادة الصنم بدليل فجعل عبادة الصنم عبادته لأنه الآمر به الداعي إليه وعبر عن المؤمنين بالمصلين كما في حديث نهيت عن قتل المصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان فالمراد أن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب وارتداد بعض لا ينافي يأسه فلا يرد نقضا أو لأنهم لم يعبدوا الصنم أو لأن المراد أن بين المصلين لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان (ولكن في التحريش بينهم) خبر مبتدأ محذوف أي وهو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي والتحريش الإغراء على الشئ بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البصراء بالمعارف الإلهية، قال بعض الأئمة، إنما خص جزيرة العرب لأنها مهبط الوحي وهو ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن طولا وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة موضع بالبادية من طريق الشام
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 ... » »»