فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٦٨
من نسلنا لا كلالة خارجة عنا أو الضمير للتمتع ومعناه اجعل تمتعنا بها باقيا عنا موروثا لمن بعدنا أو محفوظا لنا ليوم الحاجة وهو المفعول الأول والوارث مفعول ثان ومنا صلة أو الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة وإفراده وتذكيره وتأنيثه بتأويل المذكور ومعنى وراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له (واجعل ثأرنا على من ظلمنا) أي مقصورا عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما في الجاهلية أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك به ثأرنا (وانصرنا على من عادانا) أي ظفرنا عليه وانتقم منه (ولا تجعل مصيبتنا في دينينا) أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل حرام واعتقاد سوء وفترة في عبادة (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) فإن ذلك سبب للهلاك وفي إفهامه أن قليل الهم بما لا بد منه من أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب (ولا مبلغ علمنا) بحيث تكون جميع معلوماتنا الطرق المحصلة للدنيا والعلوم الجالية لها بل ارزقنا علم طريق الآخرة (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) أي لا تجعلنا مغلوبين للظلمة والكفرة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين أو من لا يرحمنا من ملائكة العذاب في القبر والنار وغيرهما ذكره كله القاضي. قال الطيبي: فإن قلت بين لي تأليف هذا النظم وأي وجه من الوجوه المذكورة أولى قلت أن تجعل الضمير للتمتع والمعنى اجعل ثأرنا مقصورا على من ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وتحمل من لا يرحمنا علي ملائكة العذاب في القبر وفي النار لئلا يلزم التكرار فتقول إنما خص البصر والسمع بالتمتع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفته تعالى وتوحيده إنما تحصل من طريقهما لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة وذلك بطريق السمع أو من الآيات المقصوصة في الآفاق والأنفس وذلك بطريق البصر فسأل التمتع بهما حذرا من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة العالمين فسأل بقاء ذلك ليستن بسنته بعده فقال واجعل ذلك التمتع وارثا باقيا منا (ت) في الدعوات (ك) وقال صحيح على شرط البخاري (عن ابن عمر) بن الخطاب قال:: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهذه الدعوات قال الترمذي حديث حسن وأقره النووي ورواه عنه أيضا النسائي وفيه عبد الله بن زجر ضعفوه قال في المنار فالحديث لأجله حسن لا صحيح.
1506 - (اللهم انفعني بما علمتني) بالعمل بمقتضاه خالصا لوجهك (وعلمني ما ينفعني) لأرتقي منه إلى عمل زائد على ذلك (وزدني علما) مضافا إلى ما علمتنيه وهذه إشارة إلى طلب المزيد في السير والسلوك إلى أن يوصله إلى مخدع الوصال وبه ظهر أن العلم وسيلة للعمل وهما متلازمان ومن ثم قالوا ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شئ إلا في العلم (الحمد لله على كل حال) من أحوال السراء والضراء وكم يترتب على الضراء من عواقب حميدة ومواهب كريمة يستحق الحمد عليها * (وعسى أن
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»