فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٧٥
عليها ولا تتعوقوا في الطريق لتبلغكم المنزل قبل أن تضعف وقد صرح بهذا في رواية أخرى وهي إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها وأسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقي وهو المخ (وإذا عرستم) بالتشديد نزلتم (بالليل) أي آخره لنحو نوم واستراحة والتعريس نزول المسافر للاستراحة آخر الليل (فاجتنبوا الطريق) أي اعدلوا وأعرضوا عنها وانزلوا يمنة أو يسرة (فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام) أي محل ترددها (بالليل) لتأكل ما فيه من الرمة وتلتقط ما سقط من المارة من نحو مأكول فينبغي التعريج عنها حذرا من أذاها (تنبيه) ما جرى عليه المؤلف من سياقه الحديث هكذا هو ما وقع لبعضهم وقد سقط منه شئ فإما أن يكون سقط في بعض الروايات وإما من قلمه سهوا والذي عزاه النووي في رياضه إلى مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ما نصه إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام باللبل انتهى. قال النووي: قوله نقيها بكسر النون وسكون القاف فمثناة تحت أي مخها ومعناه أسرعوا حتى تصلوا قصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعب وفيه حث على الرفق بالدواب ورعاية مصلحتها وحفظ المال وصيانة الروح والتحذير من المواضع التي هي مظنة الضرر والأذى ويكره النزول بالطريق نهارا أيضا وخص الليل لأنه أشد كراهة والهوام جمع هامة ما له سم يقتل كحية وقد يطلق على ما لا يقتل كالحشرات على الاستعارة بجامع الأذى (م د ت عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه.
668 - (إذا سبب الله تعالى) أي أجرى وأوصل وأصل السبب حبل يتوصل به إلى الماء فاستعير لكل ما يتوصل به إلى شئ (لأحدكم رزقا من وجه) أي حال من الأحوال (فلا يدعه) أي لا يتركه ويعدل لغيره (حتى يتغير) في رواية يتنكر (له) أي يتعسر عليه ويجد عليه موانع سماوية وحواجر إلهية فإذا صار كذلك فليتحول لغيره أي الرزق فإن أسباب الرزق كثيرة فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك الاعتراض على الحال فلا يريد خلاف ما يراد له ولا يختار خلاف ما يختاره له * (وربك يخلق ما يشاء ويختار) * قال في الحكم: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية وسوابق الهمم لا تخرق سور الأقدار أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك وما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت شيئا غير ما أظهره الله لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك فيما سواها فلو أراد لاستعملك من غير إخراج وقد خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله فيك لا مع مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شئ ولا تدبر شيئا وإن كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه صلاحك لا فيما علمت أنت (حم ه) من حديث الزبير بن عبد الله
(٤٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة