فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٠١
الوجه القبيح مذموم والطباع عنه نافرة وحاجات الجميل إلى الإجابة أقرب وجاهة في الصدور أوسع وجميل الوجه يقدر على تنجز الحاجة ما لا يمكن القبيح وكل معين على قضاء الحوائج في الدنيا معين على الآخرة بواسطتها ولأن الجمال أيضا يدل غالبا على فضيلة النفس إذ نور النفس إذا تم إشراقه تأدى إلى البدن فالمنظر والمخبر كثيرا ما يتلازمان ولذلك عول أهل الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيئات البدن وقالوا الوجه والعين مرآة الباطن ولذلك يظهر فيه أثر الغضب والسرور والغم. ومن ثم قيل طلاقة الوجه عنوان ما في النفس. واستعرض المأمون جيشا فعرض عليه رجل قبيح فاستنطقه فوجده ألكن فأسقط اسمه من الديوان وقال الروح إن أشرق على الظاهر فصباحة أو على الباطن ففصاحة وذا ليس له ظاهر ولا باطن ولهذا قال تعالى مثنيا * (وزاده بسطة في العلم والجسم) * (البقرة: 247) قال الغزالي: وليس يعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإنه أنوثة وإنما عني ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه (حسن الاسم) لأجل التفاؤل فإن الفأل الحسن حسن وبين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما تخلف ذلك فإن الألفاظ قوالب المعاني والأسماء قوالب المسميات فقبيح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه عنوان قبح الباطن وبه يعرف أن ذا ليس من الطيرة في شئ وأهل اليقظة والانتباه يرون أن الأشياء كلها من الله فإذا ورد على أحدهم حسن الوجه والاسم تتفاءلوا به (تنبيه) من كلامهم البليغ:
إذا قلت الأنصار كلت الأبصار وما وراء الخلق الدميم إلا الخلق اللئيم. (البزار) في مسنده (طس) وكذا العقيلي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوعات ولم يصب كما أن الهيثمي لم يصب في تصحيحه بل هو حسن كما رمز له المؤلف.
512 - (إذا بلغ الماء قلتين) بقلال هجر كما في رواية أخرى ضعيفة، وفي رواية: إذا كان الماء قلتين. وفيه مضاف محذوف أي ملأ قلتين، أو قدر قلتين وهما خمس قرب وقدرهما بالوزن خمسمائة رطل بغدادي تقريبا وبالحلبي تسع وثمانون رطلا وثلاث أواق وخمسة وعشرون درهما وخمسة أسباع درهم. قال الولي العراقي عن شيخه البلقيني: الأصح أنها تقريب أرطالا، تحديد قربا (لم يحمل الخبث) أي النجس يعني يدفعه ولا يقبله. يقال: فلان لا يحمل الضيم أي يدفعه عن نفسه، وزعم أن المراد أنه يضعف عن حمله فينجس بوقوعه فيه يرده رواية أي داود: فإنه لا ينجس. ورواية غيره لم ينجسه شئ. على أن الضعف إنما يكون في الأجسام لا المعاني. وفي الخبر من البلاغة والفخامة ما لا يخفى.
فإنه سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فأورد الجواب معللا بذكر السبب المانع من نجاسته وهو بلوغه قلتين، ولو أجابه بأنه طاهر أو نجس حصل الغرض لكنه عدل إلى الجواب المعلل المحدد لها فيه من زيادة البيان وتقرير البرهان وأنه لو لم يحده بذلك استوى القليل والكثير في الحكم، وذلك في محل الابهام. ذكره ابن الأثير وغيره، قال القاضي: والحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجس وذلك إذا لم يتغير وإلا كان نجسا لخبر " خلق الله الماء لا ينجسه شئ، إلا
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة