فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٠٢
ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه وبمفهومه على أن ما دونه ينجس بالملاقاة وإن لم يتغير لأنه علق عدم التنجيس ببلوغه قلتين، والمعلق بشرط يعدم عند عدمه ويلزم تغير الحالين في المتنجس وعدمه والمفارقة بين الصورتين حال التغير منتفية إجماعا، فتعين أن يكون حين ما لم يتغير وذلك ينافي عموم الحديث المذكور، فمن قال بالمفهوم وجوز تخصيص المنطوق به كالشافعي خصص عمومه به، فيكون كل واحد من الحديثين مخصصا للآخر ومن لم يجوز ذلك لم يلتفت إليه وأجرى الحديث الثاني على عمومه كمالك، فإنه لا ينجس الماء، إلا بالتغير قل أو كثر وهو مذهب ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقل عن أبي هريرة والنخعي، قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول، واختاره الغزالي في الإحياء والروياني في كتابيه البحر والحلية. وطعنوا في حديث القلتين بأنه مشترك بين قلة الجبل وقامة الرجل وشموله نحو كوز وجرة والمشترك لا يصح حدا، ولأنه روي قلتان وثلاث وأربع، فالأخذ بالقلتين ترجيح بلا مرجح رد الأول بأنه للآنية لأنه أشهر في الخطاب وأكثر عرفا، والثاني بأنه لما قدر بعدد دل على أنه أكثرها. والثالث بأنه ورد من قلال هجر وهي تسع قربتين وشيئا فحمل الشئ على النصف احتياطا وخبر الثلاث والأربع على ما يقل باليد شك فيه الراوي، ومعنى لم يحمل خبثا لم يقبله، لقوله تعالى * (حملوا التوراة ثم لم يحملوها) * أي لم يقبلوها للعمل بها ولأنه روى " لا ينجس " فحمل " لم يحمل خبثا " على عدم قبول النجاسة جمعا، ولأنه لولاه لم يكن لذكر القلتين وجه - (حم 3 حب قط ك) وصححه (هق) كلهم (عن ابن عمر) بن الخطاب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض فلاة وما ينوبه وفي رواية ينتابه من السباع والدواب فذكره، وفي غالب الطرق لم يذكر أرض القلاة. قال جدي في أماليه: حديث حسن صحيح. وقال شيخه العراقي: سكت عليه أبو داود فهو صالح للاحتجاج وقول صاحب هداية الحنفية ضعفه أبو داود وهو وكفى شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ابن خزيمة وابن حبان، واعترف الطحاوي بصحته وقال المنذري: إسناده جيد لا غبار عليه، والحاكم على شرطهما وابن معين جيد، والنووي في الخلاصة صحيح والبيهقي موصول صحيح، ولم ير الاضطراب فيه قادحا، قال ابن حجر: أطنب الدارقطني في استيعاب طرقه وجود ابن دقيق العيد في الإمام الكلام عليه، ووافق الشافعي على العمل به أحمد، دون الإمامين.
513 - (إذا تاب العبد) أي الإنسان المكلف توبة صحيحة بأن ندم وأقلع وعزم أن لا يعود ورد المظالم (أنسى الله الحفظة) وهم المعقبات (ذنوبه) بأن يمحوها من أفكارهم وصحفهم. وفي رواية: بدله ما كان يعمل (وأنسى ذلك جوارحه) جمع جارحة. قال الزمخشري: جوارح الإنسان عوامله من يديه ورجليه، والمراد هنا أعضاؤه وأجزاؤه المعينة بآية * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) * وبآية * (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) * (ومعالمه) جمع معلم وهو الأثر من الأرض: أي آثاره منها يعني المواضع التي اقترف السيئات فيها. قال الزمخشري: تقول هو من أعلام العلم الخافقة ومن أعلام الدين الشاهقة وهو معلم الخير ومن معالمه أي مظانه، وخفيت معالم
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة