فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢٦٢
تجنب الشهوات واحذر * أن تكون لها قتيلا فلرب شهوة ساعة * قد أورثت حزنا طويلا وخصهما لأنهما مرجع جميع الشهوات. قال الراغب: وإنما خاف على أمته الشهوات لأنها أقدم القوى وجودا في الإنسان وأشدها به تثبيتا وأكثرها تمكنا فإنها تولد معه وتوجد فيه وفي الحيوان الذي هو جنسه بل وفي النبات الذي هو جنس جنسه ثم توجد فيه قوة الحمية ثم آخرا وجد فيه قوة الفكر والنطق من التمييز ولا يصير الإنسان متميزا عن جملة البهائم متخلصا من أسر الهوى إلا بأمانة الشهوة البهيمية أو بقهرها وقمعها إن لم تمكن إماتتها، فهي التي تضره وتغره وتصرفه عن طرق الآخرة ومتى قمعها أو أماتها صار حرا نقيا فتقل حاجاته ويصير غنيا عما في يد غيره سخيا بما في يده محسنا في معاملته لكن هنا شئ يجب التنبيه به وهو أن الشهوة إنما تذم إن أفرطت وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى أما إذا أديت فهي المبلغة للسعادة حتى لو لم تكن لما أمكن الوصول إلى الآخرة وذلك لأنه لا وصول إليها إلا بالعبادة ولا سبيل إليها إلا بالحياة ولا سبيل إليها إلا بحفظ البدن ولا يمكن إلا بإعادة ما تحلل منه ولا يمكن إلا بتناول الغذاء ولا يمكن إلا بالقوة الشهوية فالأمر محتاج إليها ومقتضى الحكمة إيجادها وتزيينها * (زين للناس حب الشهوات) * لكن هي كعدو تخشى مضرته من وجه ونفعه من وجه ومع عداوته لا يستغنى عنه فحق العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه قال:
ان نكد الدنيا على المرء أن يرى * عدوا له ما من صداقته بد (والغفلة بعد المعرفة) أي إهمال الطاعة بعد معرفة وجوبها أو ندبها، هذا في حق العوام أما في حق الخواص فالالتفات إلى غير الله حتى بمجرد الدعوى أو العجب أو الركون إلى ما ظهر من مبادئ اللطف وذلك هو المنكر الخفي الذي لا يقدر على التحرز منه إلا ذو القدم الراسخ. قال الغزالي: وإنما كانت الغفلة من أعظم المصائب لأن كل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها لصلاحيتها لأن توصل إلى سعادة الأبد وتبعد من شقاوة الأبد فإذا ضيعته في الغفلة فقد خسرت خسرانا مبينا وإن صرفته للمعصية هلكت هلاكا فاحشا. قال الحراني: والغفلة فقد الشعور بما حقه أن يشعر به وأراد بأهل الأهواء البدع كما تقرر، وبدأ بها إشارة إلى أنها أخوف الثلاثة وأضرها إذ هي مع كونها داعية لأصحابها إلى النار موقعة للعداوة مؤدية إلى التقاطع و ' نما حدث التباين والفرق بسبب ذلك حتى أدى إلى أن بعض تلك الفرق سب الشيخين ولعنهما وتعصب كل فريق فضلوا وأضلوا وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقيل لما نزل قوله تعالى * (ومن يغفر الذنوب إلا الله) * صاح إبليس ودعا بالويل والثبور فجاءته جنوده وقالوا: ما بال سيدنا قال: نزلت آية لا يضر بعدها آدميا ذنب فقالوا: نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ففرح بذلك وقال الغزالي: قال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد المعاصي فقطعوا ظهري بالاستغفار
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة