وبالجملة اتفق الأطباء على أن تفرق الاتصال سبب ذاتي للوجع وأنكره الإمام الرازي فإنه من عقر أي جرح يده بسكين شديدة الحدة في الغاية لم يحس بالألم إلا بعد زمان ولو كان ذلك أي تفرق الاتصال سببا ذاتيا قريبا لامتنع التخلف منه وحيث تخلف الألم عن القطع والتفريق ظهر أنه ليس سببا كذلك بل تفرق الاتصال الحاصل بالقطع يعد العضو لسوء المزاج الذي هو الألم وحصوله يستدعي زمانا ما وإن كان قليلا فريثما يبتدئ العضو المقطوع بالاستحالة إلى مزاج سئ يحصل الألم الذي هو مسببه وربما احتج الإمام على ما أنكره من كون تفرق الاتصال سببا ذاتيا للألم بأن التفرق عدم الاتصال عما من شأنه أن يكون متصلا وهو عدمي فلا يجوز أن يكون سببا ذاتيا للألم الذي هو وجودي بالضرورة و احتج أيضا على ذلك بأن التغذي مداخلة الغذاء لجميع الأجزاء ولا تتصور هذه المداخلة إلا بتفريق فيما بين الأجزاء فالغذاء إنما يصير جزءا من المغتذى بالفعل بأن يفرق اتصال أجزاء المغتذى ويتوسط بينها ويتشبه بها والاغتذاء حاصل لأكثر أجزاء المغتذى في أكثر الأوقات فيكون التفرق أيضا حاصلا لأكثر الأجزاء في أكثر الأوقات فيجب أن يؤلم المتغذي وليس كذلك لأن المتغذي لا يجد ألما أصلا فلا يكون التفرق مؤلما بالذات وكذا نقول إن النمو لا يحصل إلا بتفرق الاتصال مع أنه غير مؤلم بل نقول إن أعضاء البدن لا شك أنها دائما في التحلل ولا معنى له إلا أن ينفصل عن العضو ما كان متصلا به وليس هذا التحلل مختصا بظاهر العضو دون باطنه وذلك لأن المحلل هو الحرارة السارية في ظاهر العضو وباطنه فيكون تفرق الاتصال شاملا لظواهره وأعماقه مع أنه لا ألم فيه فإن قيل التفرق الحاصل من التغذي والنمو والتحلل تفرق في أجزاء صغيرة جدا فلصغر هذا التفرق لم يحصل الألم قلنا إن كل واحد من تلك التفرقات وإن كان صغيرا جدا إلا أن تلك التفرقات كثيرة جدا لأن هذه الأمور الموجبة للتفرق لا تختص بجزء من البدن دون جزء بل هي حاصلة في جميع الأجزاء فالتفرق الناشئ منها يعم
(١٦٩)