معلوم بالضرورة أيضا أنه لو لم يجد المرجح لم يتوقف متفكرا فيه حتى يفترسه السبع وكذلك العطشان إذا كان عنده قدحان من ماء وفرض استواؤهما من جميع الوجوه فإنه يختار أحدهما بلا داع له يرجحه في اعتقاده على الآخر وكذلك جائع عنده رغيفان متساويان من جميع الجهات فإنه يختار أحدهما من غير داع يدعوه إليه وإذا ثبت في هذه الأمثلة وجود الإرادة بدون اعتقاد النفع أو ظنه ثبت وجودها بدون الميل التابع لهما إذ لا وجود للتابع بدون المتبوع والمعتزلة ادعوا الضرورة بأن من استوى عنده الطرفان لا يرجح باختياره أحدهما على الآخر إلا لمرجح يختص بذلك الطرف فما دام الاستواء لا يتصور منه ترجيح أصلا والجواب منع الضرورة والمعارضة بالضرورة في الأمثلة المذكورة فإنا نعلم بالضرورة وجود الترجيح فيها بلا مرجح وداع كما تحققته فإن قيل من البين أن الفعل في هذه الأمثلة راجح على الترك فلا تساوي فيها بينهما قلنا سلوك أحد الطريقين يستلزم ترك سلوك الآخر وبالعكس فإذا استوى السلوكان فقد استوى سلوك أحدهما وتركه على وجه مخصوص وهو أن يتركه سالكا للآخر وأيضا السلوكان أمران مقدوران متساويان وقد رجح أحدهما بلا داع إليه وهو المطلوب نعم للمعتزلة أن يقولوا ليس يلزم من فرض التساوي وقوعه ولا بد في هذه الصور المفروضة من مرجح بحسب اعتقاده إذ لولاه لم يختر شيئا مما فرض تساويه وليس يلزم من الشعور بالمرجح الشعور بذلك الشعور فلعل الدهشة المذكورة صارت سببا لعدم استثبات الشعور في الحافظة فلأجل ذلك لا يعرف الهارب الآن أنه كان له شعور بالمرجح في تلك الحالة هذا
(١٠٧)