لإدراك الجهة أصلا وضعفه ظاهر فإن الصوت إذا أدرك في جهة علم أنه في تلك الجهة وإن لم تكن الجهة ولا كون الصوت حاصلا فيها مما يدرك بالسمع ألا ترى أن الرائحة إذا أدركت من جسم علم أنها فيه وإن لم يكن الجسم ولا كون الرائحة فيه حاصلة مما يدرك بالشم لا يقال إنما ندركها للتوجه منها أي إنما ندرك جهة الصوت لأن الهواء القارع للصماخ توجه من تلك الجهة لا لأن الصوت موجود فيها كما ذكرتم في الدليل الأول و نميز بين القريب والبعيد لأن أثر القريب أقوى من أثر البعيد فإن القرع مثلا إذا كان قريبا كان الأثر الحادث عنه أقوى من الأثر الحادث من البعيد فلذلك امتاز القريب من البعيد لا لأن الصوت موجود في خارج الصماخ مسموع حيث هو من مكان قريب أو بعيد كما ذكرتموه في الدليل الثاني لأنا نجيب عن الأول أن من سد أي بأن من سد إحدى أذنيه التي تكون في جانب المصوت وسمع الصوت بالأخرى عرف الجهة وعلم أن الصوت إنما وصل إليه من جانب الأذن المسدودة ولا شك أن التموج لا يصل إلى غير المسدودة إلا بالانعطاف فيكون الهواء القارع واصلا إلى السامع من خلاف جهة الصوت فلا يكون إدراك جهته بسبب توجه الهواء القارع منها و نجيب عن الثاني أنه أي بأن السامع يميز بين القوي البعيد والضعيف القريب فبطل ما توهم من أن القريب هو الأقوى ولو صح ذلك لوجب أن يشتبه علينا الحال في القوة والضعف والقرب والبعد حتى إذا سمعنا صوتين متساويين في البعد مختلفين في القوة وجب أن نتردد ونجوز أن يكون أحدهما قريبا والآخر بعيدا أو يكون التفاوت بينهما في القوة لذلك لا لتفاوتهما في أنفسهما قوة وضعفا وليس الأمر كذلك
(١٤)