المواقف - الإيجي - ج ٢ - الصفحة ١٣
لكن قال صاحب المعتبر أنا قد علمنا أن هذا الإدراك إنما يحصل أولا بقرع الهواء المتموج لتجويف الصماخ ولذلك يصل من الأبعد في زمان أطول لكن بمجرد إدراكنا الصوت القائم بالهواء القارع للصماخ لا يحصل لنا الشعور بالجهة والقرب والبعد بل ذلك إنما يحصل بتتبع الأثر الوارد من حيث ورد وتتبع ما بقي منه في الهواء الذي هو في المسافة التي فيها ورد قال والحاصل أن عند غفلتنا يرد علينا هواء قارع فندرك الصوت الذي فيه عند الصماخ وهذا القدر لا يفيد إدراك الجهة ثم إنا بعد ذلك نتتبعه بتأملنا فيتأوى إدراكنا من الذي وصل إلينا إلى ما قبله فما قبله من جهته ومبدأ وروده فإن كان بقي منه شيء متأد أدركناه إلى حيث ينقطع ويفنى وحينئذ ندرك الوارد ومورده وما بقي منه موجودا وجهته وبعد مورده وقربه وما بقي من قوة أمواجه وضعفها وإن لم يبق في المسافة أثر ينبهنا على المبدأ لم نعلم من قدر البعد إلا بقدر ما بقي ولذلك لا نفرق في البعد بين الرعد الواصل إلينا من أعالي الجو وبين دوي الرحى التي هي أقرب إلينا ونفرق فيه بين كلامي رجلين لا نراهما وبعد أحدهما منا ذراع وبعد الآخر ذراعان فإنا إذا سمعنا كلامهما عرفنا قرب أحدها وبعد الآخر قال الإمام الرازي هذا منتهى ما قيل في هذا المقام وقد بقي فيه بحث وهو أنه هب أن السامع يتتبع من الذي وصل إليه إلى ما قبله فما قبله ولكن مدرك السمع هو الصوت نفسه دون الجهة فإنها غير مدركة بالسمع أصلا وإذا لم تكن الجهة مدركة له لم يكن كون الصوت حاصلا في تلك الجهة مدركا له فبقي أن يكون مدركه الصوت الذي في تلك الجهة لا من حيث أنه في تلك الجهة بل من حيث أنه صوت فقط وهذا القدر المدرك بالسمع لا يختلف باختلاف الجهات فلا يكون موجبا
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»