قلنا قد ثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن الله تعالى يتصرف في ملكه كيف يشاء ولا يتصور منه ظلم أبدا لأنه إنما يتصرف في ملكه لا في ملك لغيره فلا يلزمنا اعتراضكم وسلم وقد مهدنا هذه القاعدة وإنما يبقى استبعادكم أن يقع الأمر من الحكيم لخلقه وهو لا يريد امتثال أمره ونحن نقطع استبعادكم بصورة نفرضها يشهد العقلاء أنها حسنة وأن الآمر حكيم فيما أمر به وفيما أراده مخالفا لأمره فنقول لو أنعم السلطان على بعض خواصه بمملوك وهبه له وأكرمه بأن يكون خادما له تشريفا له فأهانه وضربه وطرده فدخل الخادم على السلطان باكيا شاكيا فقال أنعمت بي على من يجهل قدري ولا يعرف مقدار نعمتك عليه فأهانني عنه وضربني وطردني وفي إهانتي إن إهانتك إلا أيها الملك فغضب السلطان لذلك وقال علي بفلان فأحضر بين يديه فعتب عليه وقال أكرمتك بمملوكي يخدمك فأهنته فيه وضربته وطردته قال أيها الملك عذري فيما فعلت واضح فقال أوضح عذرك وإلا انتقمت منك فقال ما أمرته قط بأمر فامتثله فأغضبني فطردته فقال الملك استحق العقوبة والنكال ولكن قد صرت له خصما فلا أقبلك عليه إلا بدليل أو شهادة فقال أيها الملك أحضره إلي بين يديك وأنا آمره بأمر فإن امتثله فقد كذبت في قولي واستحققت النكال والعقوبة وإن لم يمتثل أمري فقد صح عند الملك عذري والملك مخير بعد ذلك فعند ذلك أرسل الملك من أحضر الغلام وأمره سيده بأمر فيا أيها السامعون العقلاء المنصفون صلى تدبروا هذه القضية وقولوا ما عندكم فيها هل السيد يريد امتثال أمره أم لا يريد امتثال أمره فإن كان يريد امتثال أمره فقد عرض نفسه للهلاك وإن كان قد أمره وهو لا يريد امتثال أمره بما لا يريد وهو عاقل حكيم وقد أمر أمرا جزما وهو لا يريد وقوع المأمور به ولا يعد عند سائر العقلاء سفيها ولا خارجا عن الحكمة بل لو أرد وقوع المأمور به لعد سفيها مجنونا فإذا كان هذا في مخلوق والحس شاهده والعقلاء تستحسنه ولا تستبعده فمن استبعد أن يقع نظيره من المالك الحقيقي الذي لا مالك فوقه يأمره ويزجره ولا حكيم مثله فما أجهله بحقائق الأمور ما أجهله وقد قيل رمتني بدائها وانسلت
(٤٢)