وقد ورد في القرآن العظيم قوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة أي تعم الصالح والطالح فلولا أنه يتصرف في ملكه كيف شاء لما حسن منه ذلك فاعلم ولا تقيس الخالق على المخلوق ولا المالك على المملوك والسر في هذا والله أعلم أن تسمية الرب سبحانه تتلقى من جهة الشرع لا من جهة العقل فما سمى به نفسه سماه به خلقه فنسميه ماكرا وجبارا ومتكبرا وناسيا ومخادعا كما مزيفا ومستدرجا هو لورود الشرع بها وهي صفات ذم في حق أنفسنا إذ قلنا فلان جبار متكبر ماكر مخادع وناس ومستدرج ولا نسمي الإله سبحانه عاقلا فقيها أديبا شاعرا لبيبا ذكيا فطنا لعدم ورودها شرعا وإن كانت في حقنا صفات مدح وكمال فلا تقاس الملائك بالحدادين كما قال أبو حامد الغزالي رحمة الله عليه ولا الاله الخالق بالمخلوقين جل الله وتعالى عن التشبيه والتمثيل فإن قيل أنتم تقولون إن الرب يأمر عباده بأمر وهو يريد منهم خلاقه أمر إبليس بالسجود ولم يرد سجوده وأمر فرعون بالإيمان وهو يريد أن يموت على كفره وكذلك سائد الكفار والعصاة أجمعين وهذا لا يتصور من العاقل كيف يجوز للحكيم أن يأمر عبده بأمر وهو لا يريد امتثاله ومن فعل ذلك عد سفيها خارجا عن الحكمة والعاقل منا لو فعل ذلك لعد سفيها خارج من حزب العقلاء وهذا لا يتصور من عاقل ولا حكيم أن يفعله وأنتم تقولون يا معشر السنة إن كل من مات على الكفر والعصيان وقد أرسل إليه رسولا وأمره بالإيمان والطاعة إنه لم يرد إيمانه ولا طاعته فكيف يتصور هذا فأقيموا لأنفسكم من هذا القول الذي لا يتصور لعاقل
(٤١)