نزهة الناظر وتنبيه الخاطر - الحلواني - الصفحة ٥٧
أمير المؤمنين فأخرجني الجبان إلى فلما أصحر (1) تنفس الصعداء ثم قال:
يا كميل بن زياد، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عنى ما أقول لك: الناس ثلاثة:
عالم رباني: ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل بن زياد العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق يا كميل بن زياد معرفة العلم دين يدان به، [به] (2) يكسب الانسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه يا كميل بن زياد هلك خز ان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة إن [ها] هنا لعلما جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة، بلى أصبت (3) لقنا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله عليه عباده وبحججه على أوليائه، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه (4)، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، ألا (5) لاذا ولا ذاك أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوة، أو مغرما بالجمع والادخال، ليسا من رعاة (6) الدين في شئ، أقرب شئ شبها بهما الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهرا مشهورا، أو خائفا، مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته

1) أي صار في الصحراء والجبان: المقبرة.
2) من (ط) وبقية المصادر.
3) (ط) والنهج: أصيب. واللقن - بفتح اللام وكسر القاف - الفهم وحسن التلقن.
4) (أ، ب) أحيائه، وهو تصحيف. وأحنائه: جوانبه، مفردها: حنو.
5) (أ) اللهم.
6) (أ) دعاة.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»