جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٣٧
والتقليد عند جماعة العلماء غير الاتباع لأن الاتباع هو ان تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبه والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه وتأبى من سواه أو أن يتبين لك خطأوه فتتبعه مهابة خلافه وأنت قد بان لك فساد قوله وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه والعلم عند غير أهل اللسان العربي ذكروا يجوز أن يترجم باللسان العربي ويترجم معرفة ويترجم فهما والعلوم تنقسم قسمين ضروري ومكتسب فحد الضروري مالا يمكن العالم أن يشكك فيه نفسه ولا يدخل فيه على نفسه شبهه ويقع له العلم بذلك قبل الفكرة والنظر ويدرك ذلك من جهة الحس والعقل كالعلم بإستحالة كون الشيء متحركا ساكنا أو قائما قاعدا أو مريضا صحيحا في حال واحدة ومن الضروري أيضا وجه آخر يحصل بسبب من جهة الحواس الخمس كذوق الشيء يعلم به المرارة والحلاوة ضرورة إذا سلمت الجارحة من آفة وكرؤية الشيء يعلم بها الألوان والأجسام وكذلك السمع يدرك به الأصوات ومن الضروري أيضا علم الناس أن في الدنيا مكة والهند ومصر والصين وبلدانا عرفوها وأمما قد خلت وأما العلم المكتسب فهو ما كان طريقه الاستدلال والنظر ومنه الخفي والجلي فما قرب من العلوم الضرورية كان أجلى وما بعد منها كان أخفى والمعلومات على ضربين شاهد وغائب فالشاهد ما علم ضرورة والغائب ما علم بدلالة من الشاهد والعلوم عند جميع أهل الديانات ثلاثة علم أعلى وعلم أسفل وعلم أوسط فالعلم الأعلى عندهم علم الدين الذي لا يجوز لأحد الكلام فيه بغير ما أوله الله في كتبه وعلى ألسنة أنبيائه صلوات الله عليهم نصا والعلم الأوسط هو معرفة علوم الدنيا التي يكون معرفة الشيء منها بمعرفة نظيره ويستدل عليه بجنسه ونوعه كعلم الطب والهندسة والعلم الأسفل هو أحكام الصناعات وضروب الأعمال مثل السباحة والفروسة والزي والخط وما أشبه ذلك من الأعمال التي هي أكثر من أن يجمعها كتاب أو يأتي عليها وصف وإنما تحصل بتدريب الجوارح فيها وهذا التقسيم في العلوم كذلك هو عند أهل الفلسفة إلا أن العلم الأعلى عندهم هو علم القياس في العلوم العلوية التي ترتفع عن الطبيعة والفلك مثل الكلام في حدوث العالم وزمانه والتشبيه ونفيه وأمور لا يدرك شيء منها بالمشاهدة ولا بالحواس قد أغنت عن الكلام فيها كتب الله
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»