جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ١٢٢
أما بعد فأني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها من وعاها وعقها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن خشي أن لا يعيها فإني لا أحل له أن يكذب علي ان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما أنزل معه الرجم وذكر الحديث وهذا يدل على أن هيه عن الاكثار وأمره بالاقلال من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان خوف الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخوفا أن يكونوا مع الاكثار يحدثون بما لم يتيقنوا حفظه ولم يعوه لأن ضبط من قلت روايته أكثر من ضبط المستكثر وهو أبعد من السهو والغلط الذي لا يؤمن مع الاكثار فلهذا أمرهم عمر من الاقلال من الرواية ولو كره الرواية وذمها لنهى عن الاقلال منها والاكثار ألا تراه يقول فمن حفظها ووعاها فليحدث بها فكيف يأمرهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عنه هذا لا يستقيم بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بالاقلال منه وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه بقوله من حفظ مقالتي ووعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ثم قال ومن خشي أن لا يعيها فلا يكذب علي وهذا يوضح لك ما ذكرنا والآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا وإنما يدور على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب لأنه يعارض السنن والكتاب قال الله عز وجل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقال وما آتاكم الرسول فخذوه وقال فيه النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته وقال وإنك لتهدي إلى صراط مستقم صراط الله ومثل هذا في القرآن كثير ولا سبيل إلى ابتاعه والتأسي به والوقوف عند أمره إلا بالخبر عنه فكيف بتوهم أحد على عمر أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نضر الله عبد اسمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها الحديث وفيه الحض الوكيد على التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم وقال وخذوا عني في غير ما حدثت وبلغوا عني والكلام في هذا أوضح من النهار لأولي النهى والاعتبار ولا يخلو الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون خيرا أو شرا فإن كان خيرا ولا شك فيه أنه خير فالاكثار من الخير أفضل وأن كان شرا ولا يجوز أن يتوهم أن عمر يوصيهم بالاقلال من الشر وهذا يدلك إنه إنما أمرهم بذلك خوف مواقعة الكذب على رسول
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»