جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ١٤٦
له في المجلس وأفهموهم الحديث فكان أبو سعيد يقول لنا مرحبا برصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوسع لكم في المجلس وأن نفهمكم الحديث ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة وعلى القوم عامة وتجلس قدامه ولا تشر بيديك ولا تغمز بعينيك ولا تقل قال فلان خلاف قولك ولا تأخذ بثوبه ولا تلح عليه في السؤال فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط عليك منها شئ وقالوا من تمام آلة العالم أن يكون مهيبا وقورا بطيء الالتفات قليل الإشارة لا يصخب ولا يلعب ولا يجفو ولا يلغو وقد قيل أن هذا لا يحتاج إليه مع آداء ما لله عليه بلغني أن إسماعيل بن إسحاق قيل له لو ألفت كتابا من آداب القضاة فقال وهل للقاضي أدب غير أدب الإسلام ثم قال إذا قضى القاضي بالحق فليقعد في مجلسه كيف شاء وبمد رجليه إن شاء وقالوا الواجب على العالم أن لا يناظر جاهلا ولا لجوجا فإنه يجعل المناظرة ذريعة إلى التعلم بغير شكر وقال أيوب بن القرية أحق الناس بالإجلال ثلاثة العلماء والاخوان والسلاطين فمن استخف بالعلماء أفسد مروءته ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه والعاقل لا يستخف بأحد قال والعاقل الدين شريعته والحلم طبيعته والرأي الحسن سجيته قال أبو عمر وآداب المناظرة يطول الكتاب بذكرها وقد ألف قوم في أدب الجدل وأدب المناظرة كتبا من طالعها وقف على المراد منها وفيما ذكرنا في هذا الباب عن السلف من جهة الآثار ما يغني ويكفي لمن وفق لفهمه وأحسن ما رأيت في آداب التعلم والتفقه من النظم ما ينسب إلى اللؤلؤ من الرجز وبعضهم ينسبه إلى المأمون وقد رأيت ايراد ما ذكر من ذلك لحسنه ولما رجوت من النفع به لمن طالع كتابي هذا نفعنا الله وإياه به قال واعلم بأن العلم بالتعلم والحفظ والاتقان والتفهم والعلم قد يرزقه الصغير في سنة ويحرم الكبير فإنما المرء بأصغريه ليس برجليه ولا يديه لسانه وقلبه المركب في صدره وذلك خلق عجب والعلم بالفهم وبالمذاكرة والدرس والفكرة والمناظرة
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»