الدرر - ابن عبد البر - الصفحة ٢٤٤
قادما زاح عني الباطل وعلمت أني لا أنجو منه إلا بالصدق فلما صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس فجاء المتخلفون فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله وجئت فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب وقال لي ما خلفك ألم أكن ابتعت ظهرك فقلت والله يا رسول الله لو جلست بين يدي غيرك لرجوت أن أقيم عنده عذري لأني أعطيت جدلا ولكني قد علمت أني إن كذبتك اليوم أطلعك الله عليه غدا ففضحت نفسي فوالله ما كان لي عذر في التخلف عنك وما كنت قط أقوى مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدقكم فقم حتى يقضي الله فيك فقمت ومعي رجال من قومي بني سلمة يقولون ما علمناك أتيت قط غير هذا الذنب أفلا اعتذرت إليه فيسعك ما وسع المتخلفين وكان يكفيك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هممت أن أنصرف إلى رسول الله فأكذب نفسي ثم قلت هل لقي مثل هذا أحد غيري قالوا نعم رجلان قالا مثل مقالك وقيل لهما مثل ما قيل لك قلت من هما قالوا مرارة بن ربيعة العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة خاصة فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي نفسي والأرض التي أنا فيها فأما صاحباي فقعدا في بيوتهما وأما أنا فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق لا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ولا أسمعه يرد علي فأقول ليت شعري هل رد في نفسه وكنت أصلي قريبا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»