الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ١٠١
وروى عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فناداه الناس يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث فقال جماعة من أهل العلم والنظر أريد بالفطرة المذكورة في هذا الحديث الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه فكأنه قال كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك واحتجوا على أن الفطرة الخلقة والفاطر الخالق بقوله (عز وجل) * (فاطر السماوات والأرض) * [فاطر 1] يعني خالقهن وقوله * (وما لي لا أعبد الذي فطرني) * [يس 22] يعني خلقني وما كان مثله من أي القرآن وأنكروا أن يكون المولود فطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار وقالوا إنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وبنية وطبعا ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ثم يعتقدون الإيمان أوالكفر بعد إذا ميزوا واحتجوا بقوله في الحديث كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء - يعني سالمة - هل تحسون فيها من جدعاء يعني مقطوعة الأذن فمثل قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ولا آفة ثم تقطع آذانها بعد وتشق وتثقب أنوفها ويقال هذه بحائر وهذه سوائب وكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم سالمة ليس لهم كفر ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار فلما بلغوا استهوتهم الشياطين وكفر أكثرهم وعصم الله أقلهم قالوا ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر أو الإيمان في أولية أمرهم ما انتقلوا عنه أبدا كما لا ينتقلون عن خلقتهم وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون ويكفرون ثم يؤمنون قالوا ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا لأن الله عز وجل أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا قال أبو عمر هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها والله أعلم
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»