الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ٩٨
فقالت طائفة من الذاهبين إلى أن الفطرة الإيمان والإسلام ليس في قوله كل مولود ما يقتضي العموم لأن المعنى في ذلك أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام فإن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه قالوا وليس المعنى أن جميع المولودين من بني آدم أجمعين مولودون على الفطرة بل المعنى أن المولود على الفطرة بين الأبوين الكافرين محكوم له بحكمهما في كفرهما حتى يعبر عنه لسانه ويبلغ مبلغ من يكسب على نفسه وكذلك من لم يولد على الفطرة وكان أبواه مؤمنين حكم له بحكمهما ما دام لم يحتلم فإذا بلغ ذلك كان حكم نفسه واحتج قائلوا هذه المقالة بحديث أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرا (1) وبحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن بني آدم خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا (2) وقد ذكرنا خبر أبي بن كعب وخبر أبي سعيد الخدري من طرق في التمهيد قالوا ففي حديث أبي وحديث أبي سعيد ما يدل على أن المعنى في قوله كل مولود يولد على الفطرة أبواه نصرانيان أو يهوديان فأبواه يهودانه أو ينصرانه أي يحكم له بحكمهما في الميراث وفي دفنه مع أبويه ونحو ذلك ما دام صغيرا ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه قالوا وألفاظ الحفاظ على نحو حديث مالك هذا ودفعوا رواية من روى كل بني آدم يولد على الفطرة قالوا ولو صح هذا اللفظ ما كان فيه حجة لما ذكرنا لأن الخصوص جائز دخوله على هذا اللفظ في لسان العرب
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»