الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ١٠٤
نبيهم صلى الله عليه وسلم بالإسلام دين إبراهيم وشرع له منهاجا ارتضاه ليس له منه شيء ينفي دين إبراهيم والمسلمون كلهم حنفاء على الاتساع قال الشاعر وهو الراعي (أخليفة الرحمن إنا معشر * حنفاء نسجد بكرة وأصيلا) (عرب نرى لله في أموالنا * حق الزكاة منزلا تنزيلا) فهذا قد وصف الحنيفية بالإسلام بإسناد وقد قيل الحنيف من كان على دين إبراهيم ثم سمي من كان يختتن ويحج البيت في الجاهلية حنيفا والحنيف اليوم المسلم ويقال إنما سمي إبراهيم حنيفا لأنه كان حنف عما كان يعبد أبوه وأمه من الآلهة إلى عبادة الله أي عدل عن ذلك ومال وأصل الحنف ميل من إبهامي القدمين كل واحدة على صاحبتها واحتجوا بقوله (عليه السلام) إنها خمس من الفطرة وعشر من الفطرة يعني من سنن الإسلام وممن ذهب إلى أن الفطرة في معنى هذا الحديث الإسلام أبو هريرة وبن شهاب قال الأوزاعي سألت الزهري عن رجل عليه رقبة مؤمنة أيجزئ عنه الصبي إن يعتقه وهو يرضع قال نعم لأنه ولد على الفطرة يعني الإسلام وعلى هذا الفعل يكون في الحديث قوله من بهيمة جمعاء هل تحسون من جدعاء يقول خلق الطفل سليما من الكفر مؤمنا مسلما على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم (عليه السلام) حين أخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم * (ألست بربكم قالوا بلى) * [الأعراف 172] قال أبو عمر يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة في الحديث الإسلام لأن الإسلام والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح لا يجهل ذلك أحد والفطرة لها معان ووجوه من كلام العرب وإنما أجزأ الطفل المرضع عند من أجاز عتقه في الرقاب الواجبة لأن حكمه حكم أبويه وخالفهم آخرون فقالوا لا يجزئ في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى وقال آخرون معنى قوله (عليه الصلاة والسلام) كل مولود يولد على الفطرة يعني على البداية التي ابتدأهم عليها أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»