الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ١٢١
بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئا حتى أصبح ثم ذكرت ذلك له فقال إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم قال أبو عمر يحتمل أن تكون الصلاة ها هنا الدعاء فإن كان ذلك ففيه دليل على أن زيارة القبور والدعاء لأهلها عندها أفضل وأرجى لقبول الدعاء فكأنه أمر أن يستغفر لهم ويدعو بالرحمة كما قيل له * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * [محمد 19] ويحتمل أن تكون الصلاة ها هنا الصلاة على الموتى فإن كان ذلك خصوص لهم فإجماع المسلمين على أنه لا يصلي أحد على قبر مرتين ولا يصلي أحد على قبر من لم يصل عليه إلا أن يكون بحدثان ذلك وأكثر ما قالوا في ذلك ستة أشهر وقد بينا هذا المعنى عند ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة من هذا الكتاب ويحتمل أن يكون هذا ليعلمهم بالصلاة منه عليهم لأنه ربما دفن من لم يصل عليه كالمسكينة ومثلها ليكون مساويا بينهم في صلاته عليهم ولا يؤثر بعضهم بذلك ليتم عدله فيهم لأن صلاته على من صلى عليه رحمة وبركة ورفعة ومن هذا المعنى قسم صلاة الخوف بالطائفتين ولم يقدم أحدا من أصحابه يصلي بالطائفة الأخرى ليشملهم عدله ولا يؤثر بعضهم لنفسه وقد قيل إن خروجه للبقيع للصلاة على أهله كان كالمودع للأحياء والأموات وقوله إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم فهو عندي كلام خرج مخرج العموم ومعناه الخصوص كأنه قال بعثت إلى البقيع لأصلي على من لم أصل عليه من أصحابي ليعمهم بذلك وفيه لبريرة فضيلة وفيه الاستخدام بالعتق والاستخدام بالليل وذلك عندي فيما خف أو فيه طاعة الله عز وجل وحسن أن يجازيه على ذلك ويكافئه لاستخدامه به وفيه ما كانوا عليه من مراعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا وقد روى أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة حديثا حسنا يدل على أن ذلك كان منه (عليه السلام) حين خيره الله بين الدنيا والآخرة ونعيت إليه نفسه فاختار ما عند الله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»