الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٥٦
يشهد الجمعة ولا الجماعة فكان بن عباس يقول في ذلك كله صاحبك في النار وهذا يحتمل أن يكون بن عباس عرف حال المسؤول عنه باعتقاد مذهب الخوارج في ترك الصلاة مع الجماعة والتهمة باستحلال دماء المسلمين وتكفيرهم وأنه لذلك ترك الجمعة والجماعة معهم فأجابه بهذا الجواب تغليظا في سوء مذهبه وقد ذكرنا في التمهيد حديث علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم فقال في خطبته إن الله فرض عليكم الجمعة في يومي هذا وفي عامي هذا فمن تركها جحودا بها واستخفافا لحقها فلا جمع الله عليه شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا صوم له ولا حج له إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه (1) في حديث طويل ذكرته من طرق في التمهيد وقد بان فيه أن الوعيد المذكور إنما هو لمن تركها جحودا بها واستخفافا بحقها وفي قوله تعالى " يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " [الجمعة 9] كفاية في وجوب الجمعة على من سمع النداء وأجمع علماء الأمة أن الجمعة فريضة على كل حر بالغ ذكر يدركه زوال الشمس في مصر من الأمصار وهو من أهل المصر غير مسافر وأجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه أنه غير كافر بفعله ذلك إلا أن يكون جاحدا لها مستكبرا عنها وأجمعوا أنه بتركها ثلاث مرات من غير عذر فاسق ساقط الشهادة وقيل ذلك فيمن تركها عامدا مرة واحدة من غير تأويل ولا عذر فإن قال بعض أهل الجهل إنه روى بن وهب عن مالك أن شهودها سنة فالجواب عن ذلك أن شهودها سنة على أهل القرى الذين اختلف السلف والخلف في إيجاب الجمعة عليهم وأما أهل الأمصار فلا ونحن نورد ذلك على نصه والرواية في سماع بن وهب عن مالك قال قال لي مالك كل قرية متصلة البيوت وفيها جماعة من المسلمين فينبغي لهم أن يجمعوا إذا كان إمامهم يأمرهم أن يجمعوا أو ليؤمروا رجلا فيجمع بهم لأن الجمعة سنة
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»