والعرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه وما قرب منه وفي هذا الحديث إباحة الوضوء للجماعة من إناء يغترفون منه في حين واحد ولم يراعوا هل أصاب أحدهم مقدار مد فما زاد من الماء كما قال من ذهب إلى أن الوضوء لا يجوز بأقل من مد ولا الغسل بأقل من صاع وهذا المعنى مبين في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله وفيه العلم العظيم من أعلام نبوته - عليه السلام - وهو نبع الماء من بين أصابعه وكم له من مثل ذلك صلى الله عليه وسلم والذي أعطي - عليه السلام - من هذه الآية المعجزة أوضح في آيات الأنبياء وبراهينهم مما أعطى موسى - عليه السلام - إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وذلك أن من الحجارة ما يشاهد انفجار الماء منها كما قال تعالى * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) * [البقرة 74] ولم يشاهد قط أحد من بني آدم يخرج من بين أصابعه الماء غير نبينا عليه السلام وقد عرض له هذا مرارا مرة بالمدينة ومرة بالحديبية قبل بيعته المعروفة ببيعة الرضوان فتوضأ من الماء الذي نبع من بين أصابعه جميع من حضر في ذلك اليوم وهم ألف وأربعمائة وقد قيل ألف وخمسمائة وقد ذكرنا في التمهيد هذا الحديث من طرق وما كان في معناه من أعلام لنبوته وآياته ومعجزاته عليه السلام وأما حديث مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامدا إلى المسجد)) الحديث ففيه الترغيب في أسباغ الوضوء والمشيء إلى الصلاة وترك الإسراع إليها لمن سمع الإقامة والإخبار بفضل ذلك كله وكان بن عمر يسرع المشي إذا سمع الإقامة وخالف في ذلك أبا هريرة وسيأتي القول في معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فلا تأتوها وأنتم تسعون)) في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله 56 - مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن الوضوء من الغائط بالماء فقال سعيد إنما ذلك وضوء النساء
(٢٠٤)