الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٢٠٦
ورواه بن سيرين عن أبي هريرة واختلف عليه في ذلك فمن رواته من قال فيه ((أولاهن بالتراب)) ومنهم من قال ((السابعة بالتراب)) وبذلك كان الحسن يفتي ولا أعلم أحدا أفتى بذلك غيره وممن كان يفتي بغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب بدون شيء من التراب من السلف والصحابة والتابعين بن عباس وأبو هريرة وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار وأما الفقهاء أئمة الأمصار فاختلفوا في معنى هذا الحديث اختلافا كثيرا فجملة مذهب مالك عند أصحابه اليوم أن الكلب طاهر وأن الإناء يغسل منه سبعا عبادة ولا يهرق شيء مما ولغ فيه غير الماء وحده ليسارة مئونته وأن من توضأ به إذا لم يجد غيره أجزأه وأنه لا يجوز التيمم لمن كان معه ماء ولغ فيه كلب وأنه لم يدر ما حقيقة هذا الحديث واحتج بأنه يؤكل صيده فكيف يكره لعابه وقال مع هذا كله لا خير فيما ولغ فيه كلب ولا يتوضأ به أحب إلي هذا كله روى بن القاسم عنه وقد روى عنه بن وهب أنه لا يتوضأ بماء ولغ فيه كلب ضاريا كان الكلب أو غير ضار ويغسل الإناء منه سبعا وقد كان مالك في أول أمره يفرق بين كلب البادية وغيره في ذلك ثم رجع إلى ما ذكرت لك فتحصيل مذهب مالك أن التعبد إنما ورد في غسل الإناء الطاهر من ولوغ الكلب خاصة من بين سائر الطاهرات وشبهه أصحابنا بأعضاء الوضوء الطاهرة تغسل عبادة وقال الشافعي وأصحابه الكلب نجس وإنما وردت العبادة في غسل نجاسته سبعا تعبدا فهذا موضع الخصوص عنده لا أنه طاهر خص بالغسل عبادة واحتج هو وأصحابه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غير ما حديث ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فأريقوه ثم اغسلوه سبع مرات)) (1) قالوا فأمر بإراقة الماء كما أمر بطرح الفأرة التي وقعت في السمن واحتجوا بالإجماع على أنه لا يجوز أن يغسل الإناء بذلك الماء ولو كان طاهرا لجاز غسله به
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»