الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٤١
على أن هذا الحديث ليس معناه الإباحة وأنه خرج على أصحاب الضرورات كالمغمى عليه يفيق والحائض تطهر والكافر يسلم في ذلك الوقت أنه مدرك للوقت وقد أجمع المسلمون على أن من كان له عذر في ترك الصلاة إلى ذلك الوقت ثم قدر على أدائها كلها فيه لزمته فكذلك يلزمه إذا أدرك منها ركعة بدليل هذه السنة الواردة في ذلك لأنه - عليه السلام - جعل مدرك ركعة منها في ذلك الوقت مدركا لوقتها كما جعل مدرك الركعة من الصلاة مدركا لحكمها وفضلها وسيأتي هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد تقدم ما للعلماء من الاختلاف في وقت العصر ووقت الصبح فلا وجه لإعادته وجرى فيه قول من جهل هذا الحديث على عمومه في ذي ضرورة [وغيره] ومن اقتصر على أصحاب العذر والضرورة فمن كان عنده على الضرورات فمن الضرورات في ذلك السفر وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فذهب مالك وأصحابه إلى ظاهره فقالوا من خرج مسافرا وقد بقي عليه من النهار مقدار ركعة بعد أن جاز بيوت القرية أو المصر ولم يكن صلاها صلى العصر ركعتين ولو خرج وقد بقي عليه مقدار ثلاث ركعات ولم يكن صلى الظهر والعصر صلاهما جميعا مقصورتين وهكذا عندهم حكم المغرب والعشاء يراعى فيهما مقدار ركعة من كل واحدة منهما على أصله فمن سافر وقد بقي عليه مقدار ركعة فإنه يقصر تلك الصلاة ولو قدم من سفره في ذلك الوقت أتم وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري إذا خرج من مصره قبل خروج الوقت صلى ركعتين وإن قدم قبل خروج الوقت أتم وهذا نحو قول مالك إلا أنهم لم يحدوا الركعة وقال زفر إن جاوز بيوت القرية أو المصر ولم يبق عليه من الوقت إلا مقدار ركعة فإنه مفرط وعليه أن يصلي العصر أربعا وإن قدم من سفره فدخل مصره ولم يبق عليه إلا ركعة واحدة أتم الصلاة أيضا أخذا له في ذلك بالثقة وقال الحسن بن حي والليث بن سعد والشافعي إذا خرج بعد دخول الوقت أتم لأن الصلاة تجب عندهم بأول الوقت وليست السعة في الوقت بمسقطة عنه ما وجب عليه في أوله
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»