مسند أبي يعلى - أبو يعلى الموصلي - ج ٢ - الصفحة ٤٣٧
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح عنه الرخصاء، فقال: " أين السائل ". فرأينا أنه حمده فقال: " إن الخير لا يأتي بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل - أو يلم - حبطا، ألم تروا إلى آكلة الخضر أكلت حتى امتلأت خاصرتاها، فاستقبلت عين الشمس فثلطت فبالت، ثم رتعت؟ وإن المال حلوة خضرة ونعم صاحب المسلم هو إن وصل الرحم، وأنفق في سبيل الله. ومثل الذي يأخذه بغير حقه كمثل الذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة " (1)...

(١) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد ٣ / ٢١ من طريق يزيد بن هارون، بهذا الاسناد.
وأخرجه أحمد ٣ / ٩١، والبخاري في الجمعة (٩٢١) باب: يستقبل الامام القوم، واستقبال الناس الامام إذا خطب، وفي الزكاة (١٤٦٥) باب: الصدقة على اليتامى، ومسلم في الزكاة (١٠٥٢) (١٢٣) باب: تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، والنسائي في الزكاة ٥ / ٩٠ باب: الصدقة على اليتيم، من طرق عن هشام الدستوائي، بهذا الاسناد.
وأخرجه البخاري في الجهاد (٢٨٤٢) باب: فضل النفقة في سبيل الله، من طريق محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال، به.
وأخرجه البخاري في الرقاق (٦٤٢٧) باب: ما يحذر من زهرة الحياة الدنيا والتنافس فيها، ومسلم (١٠٥٢) (١٢٢)، من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، به.
وأخرجه أحمد ٣ / ٧، ومسلم (١٠٥٢)، وابن ماجة في الفتن (٣٩٩٥) باب: فتنة المال، من طرق عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري.
الرحضاء: العرق في الشدة، يلم: يقارب الاهلاك. الحبط: بفتح المهملة والموحدة والطاء المهلة: امتلاء البطن وانتفاخه من كثرة الاكل. والخيط، بالخاء المعجمة من التخبط، وهو الاضطراب. والرواية الأولى هي المعتمدة. والخضر:
بفتح الخاء، وكسر الضاد المعجمتين نوع من العشب تستلذه الماشية فتستكثر من أكله. وثلط: بمثلثة ولام مفتوحتين، ثم طاء مهملة: ألقت ما في بطنها رقيقا.
وقال الأزهري: " فيه مثلان، أحدهما للمفرط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها وهو الذي يقتل حبطا. والثاني المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها وهو آكلة الخضر، فهو مقتصد في أخذها وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، ولا منعها من مستحقها، فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر ".
وقال الزين ابن المنير: " في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة، أولها تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره، والثاني: تشبيه المنهمك في الاكتساب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب. والثالث: تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الاكل والامتلاء منه. والرابع: تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به - بما تطرحه البهيمة من السلح، ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعا، والخامس: تشبيه المتقاعد عن جمعه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا وسكينة، وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها. السادس: تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها. والسابع: تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا، فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له، وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببا لعقاب مقتنيه، والثامن: تشبيه آخذه بغير حق، بالذي يأكل ولا يشبع ".
وفي هذا الحديث من الفوائد: جلوس الامام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها، فيه جلوس الناس حوله، والتحذير من المنافسة في الدنيا، وفيه استفهام العالم عما يشكل، وطلب الدليل لدفع المعارضة. وفيه تسمية المال خيرا، وفيه ضرب المثل بالحكمة - وإن وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن كالبول - فإن ذلك يغتفر لما يترتب على ذكره من المعاني ألائقة بالمقام. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي عند إرادة الجواب عما يسأل عنه، ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل، وفيه لوم من ظن به تعنت في السؤال، وحمد من أجاد فيه.
وفيه الحض على إعطاء المسكين، واليتيم، وابن السبيل، وفيه أن مكتسب المال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع، وفيه ذم الاسراف، وكثرة الاكل والنهم فيه.
(٤٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 436 437 438 439 441 442 443 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مسند طلحة بن عبيد الله 5
2 من مسند الزبير بن العوام 29
3 مسند سعد بن أبي وقاص 49
4 من مسند عبد الرحمن بن عوف 147
5 مسند أبي عبيدة الجراح 175
6 من مسند أبي جحيفة 183
7 مسند أبي الطفيل 195
8 بقية من مسند عبد الله بن أنيس 201
9 مسند خفاف بن إيماء 207
10 مسند عقبة مولى جبر بن عتيك 211
11 مسند يزيد بن أسد 213
12 سلمة الهمداني 214
13 مسند جهجاه الغفاري 218
14 ما أسند جارود العبدي 219
15 رجل من أصحاب النبي 221
16 سلمة بن قيصر عن النبي 222
17 أبو أبي عمرة 223
18 جد خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم 224
19 ما أسند خرشة عن النبي صلى الله عليه وسلم 225
20 خالد بن عدي الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 226
21 أبو عزة 228
22 قدامة بن عبد الله 229
23 أبو ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم 229
24 ما أسند عبد الرحمن بن حسنة الجهني 231
25 قيس بن أبي غرزة عن النبي صلى الله عليه وسلم 233
26 بشير السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم 233
27 عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن النبي صلى الله عليه وسلم 234
28 عبد الرحمن الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 235
29 يزيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم 236
30 سبرة بن معبد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 237
31 الأسود بن سريع عن النبي صلى الله عليه وسلم 240
32 أبو لبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم 241
33 رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم 242
34 أسيد بن حصير عن النبي صلى الله عليه وسلم 243
35 عروة بن مضرس 245
36 أيمن بن خريم الأسدي 245
37 مسند سعيد 247
38 من مسند أبي سعيد الخدري 263