مسند أبي يعلى - أبو يعلى الموصلي - ج ٢ - الصفحة ١٥٠
فدعوا له، فاستشارهم فقال بعضهم: خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال لهم. ارتفعوا عني، ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فدعوا له، فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، قال: قوموا عني، ثم قال: ادعوا لي من كان هاهنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح فدعوا له فاستشارهم، فلم يختلف عليه رجلان فقالوا:
نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر إني مصبح على ظهر. فاجتمعوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟ قال: لو غيرك قال يا أبا عبيدة، نعم فرارا من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا ذا عدوتين:
إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ فجاء عبد الرحمن وكان متغيبا في بعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " فحمد الله عمر ثم انصرف (1)...

(1) إسناده صحيح، وهو عند مالك في الجامع (22) باب: ما جاء في الطاعون. ومن طريق مالك أخرجه: أحمد 1 / 194، والبخاري في الطب (5729) باب: ما يذكر في الطاعون، وفي الحيل (6973) باب: ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون، ومسلم في السلام (2219) باب: الطاعون والطيرة والكهانة.
وأخرجه أحمد 1 / 194، ومسلم (2219) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، بهذا الاسناد، مختصرا.
وأخرجه المرفوع منه مالك (24)، والبخاري (5730)، ومسلم في السلام (2219) (100)، وأخرجه أحمد 1 / 192 من طريق روح، حدثنا محمد أبي حفصة، حدثنا الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: سمعت عبد الرحمن بن عوف يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم..
والعدوة: بضم العين المهملة وبكسرها أيضا: المكان المرتفع من الوادي، وهو شاطئه.
وفي هذا الحديث: جواز رجوع من أراد دخول بلد فعلم أن بها الطاعون - وهو رخصة، وأن القدوم عليه جائز لمن غلب عليه التوكل. وفيه منع من وقع الطاعون في بلد وهو فيها من الخروج منها، وفيه مشروعية المناظرة، والاستشارة في النوازل وفي الاحكام، وفيه أن الاختلاف لا يوجب حكما وأن الاتفاق هو الذي يوجبه، وأن الرجوع عند الاختلاف إلى النص، وأن النص يسمى علما. وأن الأمور كلها تجري بقدر الله وعلمه، وأن العالم قد يكون عنده ما لا يكون عند غيره ممن هو أعلم منه. وفيه وجوب العمل بخبر الواحد وهو من أقوى الأدلة على ذلك، وفيه الترجيح بالأكثر عددا والأكثر تجربة، وفيه تفقد أحوال الرعية من قبل الامام لما في ذلك من إزالة ظلم المظلوم، وكشف كربة المكروب، وردع أهل الفساد، وإظهار الشرائع والشعائر، وإنزال الناس منازلهم.
قال تقي الدين ابن دقيق العيد: " الذي يترجح عندي في الجمع بينهما أن في الاقدام عليه تعريض النفس للبلاء ولعلها لا تصبر عليه، وربما كان فيه ضرب من الدعوى لمقام الصبر أو التوكل فمنع ذلك حذرا من اغترار النفوس ودعواها ما لا تثبت عليه عند الاختبار. وأما الفرار فقد يكون داخلا في التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة بما قدر عليه، فأمرنا الشارع بترك التكلف في الحالتين، ومن هذه المادة قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاصبروا " فأمر بترك التمني لما فيه من التعرض للبلاء، وخوف اغترار النفس إذ لا يؤمن غدرها عند الوقوع ثم أمرهم بالصبر عند الوقوع تسليما لأمر الله تعالى ".
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مسند طلحة بن عبيد الله 5
2 من مسند الزبير بن العوام 29
3 مسند سعد بن أبي وقاص 49
4 من مسند عبد الرحمن بن عوف 147
5 مسند أبي عبيدة الجراح 175
6 من مسند أبي جحيفة 183
7 مسند أبي الطفيل 195
8 بقية من مسند عبد الله بن أنيس 201
9 مسند خفاف بن إيماء 207
10 مسند عقبة مولى جبر بن عتيك 211
11 مسند يزيد بن أسد 213
12 سلمة الهمداني 214
13 مسند جهجاه الغفاري 218
14 ما أسند جارود العبدي 219
15 رجل من أصحاب النبي 221
16 سلمة بن قيصر عن النبي 222
17 أبو أبي عمرة 223
18 جد خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم 224
19 ما أسند خرشة عن النبي صلى الله عليه وسلم 225
20 خالد بن عدي الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 226
21 أبو عزة 228
22 قدامة بن عبد الله 229
23 أبو ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم 229
24 ما أسند عبد الرحمن بن حسنة الجهني 231
25 قيس بن أبي غرزة عن النبي صلى الله عليه وسلم 233
26 بشير السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم 233
27 عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن النبي صلى الله عليه وسلم 234
28 عبد الرحمن الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 235
29 يزيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم 236
30 سبرة بن معبد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 237
31 الأسود بن سريع عن النبي صلى الله عليه وسلم 240
32 أبو لبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم 241
33 رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم 242
34 أسيد بن حصير عن النبي صلى الله عليه وسلم 243
35 عروة بن مضرس 245
36 أيمن بن خريم الأسدي 245
37 مسند سعيد 247
38 من مسند أبي سعيد الخدري 263