الخالق لذلك كله، الذي خلق العرش وما دونه من الماء والكرسي والسماوات والأرض وما فيهما، ويجعل المسلم يشعر بضآلة خلقه بالنسبة لباقي خلق الله تعالى (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [غافر: 57].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدبر ذلك ويتفكر فيه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار... حتى بلغ (فقنا عذاب النار)) [آل عمران: 190 - 191]، ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى) (1).
وفي الآيات التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد على أن خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار. بازدياد الليل على النهار تارة، وازدياد النهار على الليل تارة أخرى، فيه دلالات على وحدانية الله تعالى وعلى كمال علمه وقدرته، ووجه دلالتها، أنها في غاية الاتقان ونهاية الاحكام، لا تفاوت فيها ولا اختلال، وهذا يظهر لمن تفكر فيها من أصحاب العقول الخالصة، والفطر السليمة.
وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته فقال (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) [يوسف: 105 - 106].
ومدح عباده المؤمنين بأنهم يذكرونه قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض قائلين: (ربنا ما خلقت هذا باطلا) أي ما خلقت هذا الخلق عبثا، بل بالحق، لتجزي الذين أساؤا بما عملوا وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل فقالوا (