فأخرج برنامجا من كمه، فكتب البيت، فقلنا له: أتكتب بيت شعر سمعته من سكران!! قال: أما سمعتم المثل: رب جوهرة في مزبلة؟
قالوا: نعم قال: فهذه جوهرة في مزبلة (1).
وشعر ابن المبارك ليس بالقليل، غير أنه منثور في بطون مدونات العلم وكتب التراجم وأسفار التاريخ والأدب، ويحتاج لمن ينقب عنه في مظانة، ويعرف الناس بيواقيته ودرره ونفيس مكنوناته. وانه لمهم حقا، باعتباره يمثل نموذجا رفيعا رائعا من شعر الزهاد الأوائل والمجاهدين الحكماء من السلف الصالح. فصاحبه قد قضى عمره في الجهاد والرباط والعلم والزهد، فجاء شعره مرآة صادقة لتلك النفس الانسانية السامية التي ارتقت في مدارج الكمال، وعلت في مراتب الفضيلة ومقامات الايمان والاحسان.
وقد وصف الامام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " موهبته الشعرية الصادقة بقوله: كان ابن المبارك رحمه الله شاعرا محسنا قوالا بالحق (2).
ومن شعره ما روى أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، قال سمعت الخليل أبا محمد قال: كان عبد الله بن المبارك إذا خرج إلى مكة يقول:
بغض الحياة وخوف الله أخرجني * وبيع نفسي بما ليست له ثمنا إني وزنت الذي يبقي ليعد له * ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا (3)