الديباج على مسلم - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ١٣٣
الحرص على أخذها بغير حقها فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضرة ألا تراه صلى الله عليه وسلم قال فإنها إذا أصابت من الخضر استقبلت عين الشمس ثلطت وبالت أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة الشمس لتستمرئ عمر بذلك ما أكلت وتجتر وتثلط وإذا ثلطته النبي فقد زال عنها الحبط وإنما تحبط الماشية لأنها لا تثلط ولا تبول هذا كلام الأزهري وقال النووي معنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم حذرهم من زهرة الدنيا وخاف عليهم منها فقال ذلك الرجل إنما يجعل ذلك لنا منها من جهة مباحة كغنيمة وغيرها وذلك خير وهل يأتي الخير بالشر أي يبعد أن يكون الشئ خيرا ثم يترتب عليه الشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الخير الحقيقي فلا يأتي إلا بخير أي لا يترتب عليه إلا خير ثم قال أو هو خير ومعناه أن هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو فتنة وتقديره الخير لا يأتي إلا بخير ولكن ليس هذه الزهرة بخير لما تؤدي إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال إلى الآخرة ثم ضرب لذلك مثلا فقال صلى الله عليه وسلم إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر إلى آخره ومعناه أن كل نبات الربيع وخضره وإن يقتل حبطا بالتخمة وكثرة الأكل أو يقرب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضر وكذا المثال كنبات الربيع مستحسن تطلبه النفوس وتميل إليه فمنه من يستكثر منه ويستغرق فيه غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه ومنهم من يقتصد فيه ولا يأخذ إلا يسيرا وإن أخذ كثيرا فرقه في وجوهه كما تثلط الدابة فهذا لا يضره انتهى
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»