عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٢٧٨
وفي كم يقطع.
أي: في مقدار كم من المال يقطع؟ وفيه خلاف كثير، فقالت الظاهرية: يقطع في القليل والكثير ولا نصاب له، وعند الحنفية: عشرة دراهم، وعند الشافعي: ربع دينار، وعند مالك: قدر ثلاثة دراهم، وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أنهما قالا: لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم فصاعدا، أو قطع ابن الزبير في نعلين، وقال ابن معمر: كانوا يتسارقون السياط، فقال عثمان: لئن عدتم لأقطعن فيه، وكان عروة بن الزبير والزهري وسليمان بن يسار يقولون: ثمن المجن خمسة دراهم، وحكى أبو عمر في (استذكاره): عن عثمان البتي: يقطع في درهم، وروى منصور عن الحسن أنه كان لا يوقت في السرقة شيئا ويتلو * (والسارق والسارقة) * وفي رواية قتادة عنه: أجمع على درهمين، وذكر عن النخعي: أربعون درهما، وعن ابن الزبير: أنه قطع في نصف درهم، وعن زياد: في درهمين، وعن أبي سعيد: في أربعة، وقيل: تقطع في كل ماله قمية قل أو كثر.
وقطع علي رضي الله عنه من الكف.
أي: قطع علي بن أبي طالب يد السارق من الكف، رواه أبو بكر عن وكيع عن سمرة ابن معبد أبي عبد الرحمن. قال: رأيت أبا خيرة مقطوعا من المفصل، فقلت: من قطعك؟ فقال: الرجل الصالح علي، أما أنه لم يظلمني. وحكى ابن التين عن بعضهم قطع اليد من الإبط، وهو بعيد عجيب، وروى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال: كان عمر رضي الله تعالى عنه، يقطع عن المفصل، وعلي يقطع من مشط القدم، وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي خبرة أن عليا قطعه من المفصل، وذكر الشافعي في كتاب (اختلاف علي وابن مسعود): أن عليا كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة، ويقول: أستحي من الله أن أتركه بلا عمل، ووقع في بعض نسخ البخاري: وقطع علي الكف بدون كلمة: من.
وقال قتادة في امرأة سرقت: فقطعت شمالها ليس إلا ذالك.
وصله أحمد في (تاريخه): عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي عنه هكذا، وقال قتادة: قال مالك وابن الماجشون: لا يجزئ ذلك، وإذا تعمد القاطع قطع شماله قال الأبهري: فيه نظر، ويجوز أن يقال: عليه القود. وعن مالك وأبي حنيفة: إذا غلط القاطع فقطع اليسرى أنه يجزئ عن قطع اليمين ولا إعادة عليه، وعن الشافعي وأحمد: على القاطع المخطىء الدية وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشافعي، وروايتان عند أحمد، رحمه الله.
9876 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا).
مطابقته لقوله في الترجمة: في كم يقطع؟ ظاهرة. والحديث يوضحها أيضا لأنها مبهمة.
وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصاري.
والحديث أخرجه بقية الجماعة: فمسلم في الحدود أيضا عن يحيى بن يحيى وآخرين. وأبو داود فيه عن أحمد بن حنبل. والترمذي فيه عن علي بن حجر. والنسائي في القطع عن إسحاق بن إبراهيم وغيره. وابن ماجة في الحدود عن أبي مروان محمد بن عثمان، وقال المزي: روي هذا الحديث عن الزهري عن عروة وحده، وروي عنه عن عمرة وحدها، وروي عنه وعنها جميعا، وروي عنه عن عمرة عن عائشة.
قوله: (اليد) أي: يد السارق. قوله: (فصاعدا)، نصب على الحال المؤكدة أي: ذهب ربع دينار حال كونه صاعدا إلى ما فوقه، ويؤيده ما وقع في رواية مسلم عن سليمان بن يسار عن عمرة فما فوقه. وقال صاحب (المحكم): يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا يجوز الواو... واحتجت الشافعية بهذا الحديث على أن ربع الدينار أصل في القطع، ونص فيه لا فيما سواه.
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»