عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٩٩
الذي يزمر به وهو معروف، ويقال: إن الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن، قيل: كيف شبه الصور بالقرن الذي هو مذموم؟ وأجيب: لا مانع من ذلك، ألا يرى كيف شبه صوت الوحي بصلصلة الجرس مع ورود النهي عن استصحابه. فإن قلت: مماذا خلق الصور.
قلت: روى أبو الشيخ في كتاب (العظمة) من طريق وهب بن منبه من قوله: قال: خلق الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة، ثم قال للعرش: خذ الصور فتعلق به، ثم قال: كن فكان إسرافيل عليه السلام، فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة، فذكر الحديث. وفيه: ثم يجمع الأرواح كلها في الصور ثم يأمر الله عز وجل إسرافيل عليه السلام فينفخ فيه، فتدخل كل روح في جسدها، وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان وصححه والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهما، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه.
زجرة: صيحة أشار به إلى تفسير قوله عز وجل: * (فإنما هي زجرة واحدة) * (الصافات: 91 والنازعات: 31) وفسر الزجرة بقوله: صيحة، وهو من تفسير مجاهد أيضا، وصله الفريابي أيضا من طريق ابن أبي نجيح عنه.
وقال ابن عباس: الناقور الصور أراد به أن ابن عباس فسر الناقور في قوله عز وجل: * (فإذا نقر في الناقور) * (المدثر: 8) بأنه الصور، وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في الآية المذكورة، ومعنى نقر: نفخ).
الراجفة: النفخة الأولى. والرادفة: النفخة الثانية هذا من تفسير ابن عباس أيضا في قوله عز وجل: * (يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة) * (النازعات: 6 7) أي: النفخة الأولى تتبعها النفخة الثانية، وصله الطبري وابن أبي حاتم أيضا بالسند المذكور، وبه فسر الفراء في (معاني القرآن): وعن مجاهد الراجفة الزلزلة، والرادفة الدكدكة. أخرجه الفريابي وغيره عنه، وقال الكرماني: واختلف في عددها. والأصح أنها نفختان. قال تعالى: * (ونفخ فى الصور فصعق من فى السماوات ومن فى الارض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * (الزمر: 86) والقول الثاني: إنها ثلاث نفخات: نفخة الفزع فيفزع أهل السماوات والأرض بحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، فأجيب: بأن الأوليين عائدتان إلى واحدة فزعوا إلى أن صعقوا، والمشهور أن صاحب الصور إسرافيل، عليه الصلاة والسلام، ونقل فيه الحليمي الإجماع. فإن قلت: جاء أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل، فروى الطبراني في (الأوسط): عن عبد الله بن الحارث: كنا عند عائشة فقالت: يا كعب! أخبرني عن إسرافيل. قيل... فذكر الحديث، وفيه: وملك الصور جاثي على إحدى ركبتيه، وقد نصب الأخرى يلتقم الصور محنيا ظهره شاخصا ببصره ينظر إلى إسرافيل، وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور. فقالت عائشة: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: فيه زيد بن جدعان وهو ضعيف. فإن قلت: يؤيد الحديث المذكور ما أخرجه هناد بن السري في (كتاب الزهد): ما من صباح إلا وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان، يعني: في الصور.
قلت: هذا موقوف على عبد الرحمان بن أبي عمرة. فإن قلت: روى عن الإمام أحمد من طريق سليمان التيمي عن أبي.. عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب، والآخر بالعكس ينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا، ورجاله ثقات. وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بغير شك، وروى ابن ماجة والبزار من حديث أبي سعيد رفعه: أن صاحبي الصور بأيديهما قرنان
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»