الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم، ولا ثواب له في الآخرة. قوله: (ومن يرائي) بضم الياء وبالمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وثبتت الياء في آخر كل منهما للإشباع أي: من يرائي بعمله الناس (يرائي الله به) أي يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه فاستحق سخط الله عليه. وفيه: من المشاكلة ما لا يخفى.
73 ((باب من جاهد نفسه في طاعة الله)) أي: هذا باب في بيان فضل من جاهد من المجاهدة، وهي: كف النفس عن إرادتها مما يشغلها بغير العبادة.
0056 حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه، قال: بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: (يا معاذ!). قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: (يا معاذ!) قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: (يا معاذ بن جبل!) قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: (هل تدري ما حق الله على عباده؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) ثم سار ساعة، ثم قال: (يا معاذ بن جبل) قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: (هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق العباد على الله أن لا يعذبهم).
مطابقته للترجمة من حيث إن فيه مجاهدة النفس بالتوحيد، وجهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكبر.
وهذا الحديث بعين هذا الإسناد والمتن قد مر في كتاب اللباس في باب مجرد عقيب: باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه، فإنه أخرجه هناك عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى عن قتادة... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ونظيره مضى عن أنس في آخر كتاب العلم في: باب من خص بالعلم قوما.
قوله: (رديف النبي صلى الله عليه وسلم) الرديف هو الراكب خلف الراكب. قوله: (إلا آخرة الرحل) الآخرة على وزن الفاعلة وهي العود الذي يستند إليه الراكب من خلفه، وأراد بذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه لكونه أضبط، وأما تكريره صلى الله عليه وسلم، عليه ثلاثا فلتأكيد الاهتمام بما يخبره ولتكميل تنبه معاذ فيما يسمعه، والرحل سرج الجمل. وقال الجوهري: الرحل رحل الجمل وهو أصغر من القتب. قوله: (لبيك) قد مضى الكلام فيه مرارا أنه من التلبية وهي إجابة المنادي أي: إجابتي لك يا رسول الله! مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا قام به، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير، أي: إجابة بعد إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر، كأنك قلت: ألب إلبابا بعد إلباب. قوله: (وسعديك) أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد، ولهذا ثنى، وهو أيضا من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال، وقال الجرمي: لم يسمع سعدك مفردا. قوله: (لبيك رسول الله) أي: يا رسول الله، حذف فيه حرف النداء، وفي العلم بإثباته. قوله: (فقال: يا معاذ) وفي رواية الكشميهني: ثم قال: يا معاذ، قوله: (هل تدري ما حق الله على عباده) الحق كل موجود متحقق أو: ما سيوجد لا محالة. قوله: (أن يعبدوه) أي: أن يوحدوه. قوله: (ولا يشركوا به شيئا)، تفسيره وقيل: المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي. قوله: (ما حق العباد على الله؟) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون خرج مخرج المقابلة في اللفظ كقوله تعالى: * (ومكروا ومكر الله) * (آل عمران: 45) والثاني: أن يكون أراد حقا شرعيا لا واجبا بالعقل كقول المعتزلة، وقيل: معنى الحق المستحق الثابت أو الجدير، وهو كالواجب في تحققه، وقال القرطبي: حق العباد على الله هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء.
83 ((باب التواضع))