زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال شيء آخر منه صار كالمجل وهو أثر حكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه واعتقابه إياه بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى التنفط. قوله: (يتبايعون) أي: من البيع والشراء. قوله: (فلا يكاد أحد) كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فلا يكاد أحدهم. قوله: (أتى علي) بتشديد الياء قوله: (وما أبالي أيكم بايعت) وقال ابن التين: تأوله بعض الناس على بيعة الخلافة، وهو خطأ، فكيف يكون ذلك وهو يقول: لئن كان نصرانيا... إلى آخره؟ والذي عليه الجمهور وهو الصحيح أنه أراد به البيع والشراء المعروفين، يعني: كنت أعلم أن الأمانة في الناس: فكنت أقدم على معاملة من أثق غير باحث عن حاله وثوقا بأمانته، فإنه إن كان مسلما فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله على أداء الأمانة. وإن كان كافرا فساعيه، وهو الوالي الذي يسعى له. أي الوالي عليه يقوم بالأمانة في ولايته فينصفني ويستخرج حقي منه، وكل من ولى شيئا على قوم فهو ساعيهم مثل سعاة الزكاة، وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أأتمنه على بيع أو شراء إلا فلانا وفلانا يعني أفراد من الناس قلائل أعرفهم وأثق بهم. قوله: (رده علي الإسلام) وفي رواية المستملي: بالإسلام. قوله: (وإن كان نصرانيا) ذكر النصراني على سبيل التمثيل، وإلا فاليهودي أيضا، كذلك صرح في (صحيح مسلم) بهما.
8946 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة).
مطابقته للترجمة يمكن أن توجه من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في هذا الحديث بأن الناس كثيرون والمرضي فيهم قليل بمنزلة الراحلة في الإبل المائة، وغير المرضي هم الذين ضيعوا الفرائض التي عليهم، وقد ذكرنا أن ابن عباس فسر الأمانة بالفرائض، فمن هذه الحيثية تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث.
وأبو اليمان الحكم بن نافع.
والحديث بهذا الإسناد من أفراده، وفي رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري: تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة.
واختلفوا في معنى هذا الحديث فقيل: إنما يراد به القرون المذمومة في آخر الزمان، ولذلك ذكره البخاري هنا ولم يرد به صلى الله عليه وسلم، زمن أصحابه، وتابعيهم لأنه قد شهد لهم بالفضل، فقال: خير القرون... الحديث، ونقل الكرماني هذا في (شرحه) بقوله: وقال بعضهم: المراد به القرون المذمومة... إلى آخر ما ذكرناه، وقال بعضهم: نقل الكرماني هذا عن مغلطاي ظنا منه أنه كلامه لكونه لم يعزه.
قلت: لم يقل الكرماني إلا: قال بعضهم، ولم يذكر لفظ مغلطاي أصلا، فلا يحتاج إلى ذكره بما فيه من سوء الأدب ونسبة الظن إليه وبعض الظن إثم، وقيل: يحتمل أن يريد كل الناس فلا يكون مؤمن إلا في مائة أو أكثر، وقيل: إن الناس في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع، كالإبل المائة التي لا تكون فيها راحلة، وقيل: إن أكثر الناس أهل نقص وأهل الفضل عددهم قليل بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة. قال الله تعالى: * (ولكن ثر الناس لا يعلمون) * (الأعراف: 781 وغيرها) وقوله: * (ولكن أكثرهم يجهلون) * (الأنعام: 111) وقال القرطبي: الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجوادالذي يتحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة.
قلت: الأنسب من كل الأقوال هو القول الذي ذكرناه أولا، وفيه أيضا مطابقة الحديث للترجمة كما ذكرناه.
قوله: (كالإبل المائة) وصف لفظ الإبل الذي هو مفرد بقوله: المائة، لأن العرب يقول للمائة من الإبل، ويقال لفلان إبل أي: مائة من الإبل وإبلان إذا كان له مائتان. قوله: (راحلة) هي النجيبة المختارة الكاملة الأوصاف الحسنة المنظر، وقيل: الراحلة الجمل النجيب، والهاء للمبالغة.
63 ((باب الرياء والسمعة)) أي: هذا باب في بيان ذم الرياء، بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وبالمد هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها