عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٤٩
وقال البيضاوي: الثواب والعقاب ليسا بالأعمال وإلا لزم أن لا يكون الذراري لا في الجنة ولا في النار، بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإل 1764; هي المقدر لهم في الأزل، فالأولى فيهم التوقف.
8956 حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: وأخبرني عطاء بن يزيد أنه سمع أبا هريرة يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين؟ فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين). (انظر الحديث 4831 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
والحديث مضى في أواخر كتاب الجنائز فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي أنه سمع أبا هريرة... إلى آخره، قال هناك: أخبرني عطاء بن يزيد، كما رأيت، وقال هنا: قال: وأخبرني عطاء بن يزيد، بواو العطف على محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشيء ثم حدث بحديث عطاء.
قوله: (عن ذراري المشركين) بتشديد الياء وتخفيفها جمع ذرية وذرية الرجل أولاده ويكون واحدا وجمعا. قوله: (الله أعلم بما كانوا عاملين) غرض البخاري من هذا الرد على الجهمية في قولهم: إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها، تعالى الله عن ذلك القول، وأخبر الشارع في هذا الحديث أن الله يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون، فأحرى أن يعلم ما يكون وما قدره وقضاه في كونه، وهذا يقوي ما ذهب إليه أهل السنة أن القدر هو علم الله وغيبه الذي استأثر به فلم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. وقال الداودي: لا أعلم لهذا الحديث وجها إلا أن الله أعلم بما يعمل به، لأنه سبحانه علم أن هؤلاء لا يتأخرون عن آجالهم ولا يعملون شيئا، قد أخبر أنهم ولدوا على الفطرة، أي: الإسلام، وأن أباءهم يهودونهم وينصرونهم، كما أن البهيمة تولد سليمة من الجدع والخصا وغير ذلك مما يعمل الناس بها حتى يصنع ذلك بها، وكذلك الولدان.
9956 حدثني إسحاق أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها). قالوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين). (انظر الحديث 4831 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وإسحاق قال بعضهم: هو إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الحنظلي، وقال الكلاباذي: يروي البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وإسحاق بن إبراهيم الكوسج عن عبد الرزاق.
قلت: كلامه يشير إلى أن إسحاق هنا يحتمل أن يكون أحد الثلاثة المذكورين، لأن كلا منهم روى عن عبد الرزاق بن همام، وجزم بعضهم بأنه إسحاق بن راهويه، من أين؟ ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد، وهمام هو ابن منبه.
والحديث أخرجه مسلم في القدر عن محمد بن رافع. وأخرجه البخاري أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة في آخر الجنائز في: باب ما قيل في أولاد المشركين، وفيه: أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء؟ واقتصر على هذا المقدار.
قوله: (ما من مولود) مبتدأ (ويولد) خبره لأن: من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك: ما أحد خير منك، والتقدير: ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر، وهو قوله: (على الفطرة) أي: على الإسلام، وقيل: الفطرة الخلقة والمراد هنا القابلية لدين الحق إذ لو تركوا وطبائعهم لما اختاروا دينا آخر. قوله: (ويهودانه) أي: يجعلانه يهوديا إذا كانا من اليهود، وينصرانه أي: يجعلانه نصرانيا إذا كانا من النصارى، والفاء في (فأبواه) إما للتعقيب وهو ظاهر وإما للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه. قوله: (كما) إما حال من الضمير المنصوب في: يهودانه، مثلا فالمعنى يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة شبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، وإما صفة مصدر
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»