حديث آخر ليس فيه إشارة إلى بطلان شيء يخالف ما ذكره وهو ما ذكره أبو داود من حديث المغيرة بن شعبة سمعت الصادق المصدوق يقوله لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقي ومضى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش انتهى قلت هذا مجرد تحريش من غير طعم وهذه نكتة لطيفة ذكرها من وجهين فالوجه الثاني يمشي في كل موضع فيه ذكر الصادق المصدوق قوله إن أحدكم قال أبو البقاء لا يجوز أن إلا بالفتح لأنه مفعول حدثنا فلو كسر لكان منقطعا عن حدثنا قلت لا يجوز إلا الكسر لأنه وقع بعد قوله قال إن أحدكم ولفظة قال موجودة في كثير من النسخ هكذا حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال إن أحدكم وإن كانت لفظة قال غير مذكورة في الرواية فهي مقدرة فلا يتم المعنى إلا بها قوله إن أحدكم يجمع في بطن أمه كذا هو في رواية أبي ذر عن شيخه وله عن الكشميهني إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه وكذا هو في رواية آدم في التوحيد وكذا في رواية الأكثرين عن الأعمش وفي رواية أبي الأحوص عنه إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه وفي رواية ابن ماجة إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه والمراد من الجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار والخلق بمعنى المخلوق كقولهم هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه وقال القرطبي ما ملخصه أن المنى يقع في الرحم بقوة الشهوة المزعجة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم قوله ' أربعين يوما ' زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة قوله ' ثم علقة ' مثل ذلك وفي رواية آدم ثم يكون علقة مثل ذلك يعني مدة الأربعين والعلقة الدم الجامد الغليظ سميت بذلك للرطوبة التي فيها وتعلقها بما مر بها قوله ' ثم يكون مضغة مثل ذلك يعني مدة الأربعين والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ الماضع قوله ثم يبعث الله ملكا وفي رواية الكشميهني ثم يبعث الله إليه ملكا وفي رواية مسلم ثم يرسل الله وفي رواية آدم ثم يبعث إليه الملك واللام فيه للعهد وهو الملك من الملائكة الموكلين بالأرحام قوله ' فيؤمر على صيغة المجهول ' أي يأمره الله تعالى بأربعة أشياء وفي رواية آدم بأربع كلمات والمراد بها القضايا وكل كلمة تسمى قضية قوله بأربع كذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بأربعة والمعدود إذا أبهم جاز التذكير والتأنيث قوله برزقه بدل من أربع وما بعده عطف عليه داخل في حكمه والمراد برزقه قيل الغداء حلالا أو حراما وهو كل ما ساقه الله تعالى إلى العبد لينتفع به وهو أعم لتناوله العلم ونحوه قوله وأجله الأجل يطلق لمعنيين لمدة العمر من أولها إلى آخرها وللجزء الأخير الذي يموت فيه قوله وشقي أو سعيد قال بعضهم هو بالرفع خبر مبتدأ محذوف قلت ليس كذلك لأنه معطوف على ما قبله الذي هو بدل عن أربع فيكون مجرورا لأن تقدير قوله فيؤمر بأربع أربع كلمات كلمة تتعلق برزقه وكلمة تتعلق بأجله وكلمة تتعلق بسعادته أو شقاوته وكان من حق الظاهر أن يقال يكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك حكاية بصورة ما يكتبه وهو أنه يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قيل هذه ثلاثة أمور لا أربعة وأجيب بأن الرابع كونه ذكرا أو أنثى كما صرح في الحديث الذي بعده أو عمله كما تقدم في أول كتاب بدء الخلق ولعله لم يذكره لأنه يلزم من المذكور أو اختصره اعتمادا على شهرته وقيل هذا يدل على أن الحكم بهذه الأمور بعد كونه مضغة لا أنه أزلي وأجيب بأن هذا للملك بأن المقضي في الأزل حتى يكتب على جبهته مثلا قوله أو الرجل شك من الراوي أي أو أن الرجل وفي رواية آدم فإن أحدكم بغير شك قوله بعمل أهل النار قدم النار على الجنة وفي رواية آدم بالعكس قوله حتى ما يكون قال الطيبي حتى هي الناصبة وما نافية ولم تكف عن العمل وتكون منصوبة بحتى وأجاز غيره أن تكون حتى ابتدائية ويكون على هذا بالرفع قوله غير باع أو ذراع هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره غير ذراع أو باع وفي رواية أبي الأحوص إلا ذراع بغير شك والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة قوله فيسبق عليه الكتاب الفاء في فيسبق للتعقيب يدل على حصول السبق بغير مهلة وضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب وما قدر عليه سبقا بلا مهلة فعند ذلك يعمل
(١٤٦)