في الجنة، ويظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام. قوله: غبن أهل الجنة، فقوله: غبن، فعل ماض وأهل الجنة فاعله، وأهل النار بالنصب مفعوله، ومعناه: أن أهل الجنة ينزلون منازل الأشقياء التي كانت أعدت لهم لو كانوا سعداء، وقال بعضهم: فعلى هذا التغابن من طرف واحد، ولكنه ذكر بهذه الصيغة للمبالغة. انتهى.
قلت: لا نسلم صحة ما قاله، ولم يقل أحد: إن صيغة التفاعل تجيء للمبالغة، والتفاعل هنا على أصله وهو الاشتراك بين القوم، ولا شك أنهم مشتركون في أصل الغبن لأن كل غابن فله مغبون.
3356 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني شقيق قال: سمعت عبد الله رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس بالدماء).
مطابقته للترجمة من حيث إن القضاء يوم القيامة هو للقصاص.
وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. والرجال كلهم كوفيون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الديات عن عبيد الله بن موسى. وأخرجه مسلم في الحدود عن عثمان بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه الترمذي في الديات عن أبي كريب وغيره. وأخرجه النسائي في المحاربة عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث به وعن غيره. وأخرجه ابن ماجة في الديات عن محمد بن عبد الله بن نمير وغيره.
قوله: (بالدماء) وفي رواية الكشميهني: في الدماء. والمعنى: القضاء بالدماء التي كانت بين الناس في الدنيا. فإن قلت: روى أبو هريرة مرفوعا (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته).
قلت: لا تعارض بينهما، لأن الأول فيما يتعلق بمعاملات الخلق، والثاني فيما يتعلق بعباده الخالق، وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رفعه: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء، ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول: رب سل هذا فيم قتلني؟) وفي حديث نافع بن جبير عن ابن عباس رفعه: (يأتي المقتول معلق رأسه بإحدى يديه ملبيا قاتله بيده الأخرى تسخب أوداجه دما حتى يقفا بين يدي الله).
4356 حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيآت أخيه فطرحت عليه). (انظر الحديث 9442).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (من قبل أن يؤخذ)... إلى آخره وإسماعيل هو ابن أبي أويس.
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد عقيب حديث زيد بن أبي أنيسة.
قوله: (مظلمة) بفتح اللام والكسر وهو أشهر. وهي اسم ما أخذ منك بغير حق. قوله: (لأخيه)، وفي رواية الكشميهني: (من أخيه). قوله: (فليتحلله) أي: فليسأله أن يجعله حلاله وليطلب منه براءة ذمته قبل يوم القيامة. قوله: (فإنه ليس ثم) أي: فإن الشأن ليس هناك درهم، وثم بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم وهو اسم يشار به إلى المكان البعيد، وهو ظرف لا يتصرف فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى: * ((76) وإذا رأيت ثم رأيت) * (الإنسان: 02) قوله: (من حسناته) أي: من ثوابها فيزاد على ثواب المظلوم، قيل: ثواب الحسنة خالد أبدا غير متناه وجزاء السيئة من الظلم غيره متناه، فكيف يقع غير المتناهي موقع المتناهي؟ وكيف يقوم مقامه فيصير المظلوم ظالما؟ وأجيب: بأنه يعطي خصمه من أصل ثواب الحسنة ما يوازي، عقوبة سيئته، إذ الزائد عليه فضل من الله عز وجل عليه خاصة. قوله: (فإن لم تكن له)، أي: للظالم، حسنات أخذ من أصل سيئات أخيه فيحط عليه فيزاد في عقابه، قيل: ما التوفيق بينه وبين قوله تعالى: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (الأنعام: 461، وغيرها) وأجيب: بأنه لا تعارض بينهما لأنه إنما يعاقب بسبب ظلمه أو معناه: لا تزر باختياره وإرادته.
5356 حدثني الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * (الأعراف: 34 والحجر: 74) قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي المتوكل الناجي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال