عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١١١
ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبيه، ومنهم من يبلغ فاه: فأشار بيده فألجمها، ومنهم من يغطيه عرقه، وضرب بيده على رأسه هكذا. وروى ابن أبي شيبة عن سلمان الخبر قال: تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى يكون قاب قوسين. قال: فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل. قال سلمان: حتى يقول الرجل: غرغر. وقال القرطبي: إن هذا لا يضر مؤمنا كامل الإيمان أو من استظل بالعرش. وروي عن سلمان: ولا يجد حرها مؤمن ولا مؤمنة، وأما الكفار فتطبخهم طبخا حتى يسمع لإحراقهم عق عق. وروى البيهقي في (الشعب): عن عبد الله بن عمر وبسند لا بأس به قال: يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق. قيل له: فأين المؤمن؟ قال: على كرسي من ذهب، ويظل عليهم الغمام. وعن أبي ظبيان: قال أبو موسى: الشمس فوق رؤوس الناس وأعمالهم تظلهم.
2356 حدثني عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم).
ذكر هذا عقيب حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما أنه يتضمن بعض ما فيه والمناسبة بهذا المقدار كافية.
عبد العزيز ابن عبد الله بن يحيى الأويسي المديني، وسليمان بن بلال، وأبو الغيث سالم.
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن قتيبة.
قوله: (يعرق) بفتح الراء: (ويلجمهم) بضم الياء من ألجمه الماء إلجاما إذا بلغ فاه، وسبب كثرة العرق تراكم الأهوال وشدة الازدحام ودنو الشمس. قال الكرماني: الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة أخذهم الماء أخذا واحدا بحيث يكون بالنسبة إلى الكل إلى الأذن مع اختلاف قاماتهم طولا وقصرا، وأجاب بأنه خلاف المعتاد، أو لا يكون في القامات حينئذ اختلاف. وقد روى اختلافهم أيضا على قدر أعمالهم، وقد ذكرناه عن قريب.
84 ((باب القصاص يوم القيامة)) أي: هذا باب في بيان كيفية القصاص يوم القيامة. والقصاص بكسر القاف مأخوذ من القص وهو القطع أو من اقتصاص الأثر وهو تتبعه، لأن الذي يطلب القصاص بتبع جناية الجاني ليأخذ مثلها. وفي (المغرب): القصاص مقاصة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح، وهي مساواته إياه في قتل أو جرح ثم عم في كل مساواة.
وهي الحاقة لأن فيها الثواب وحواق الأمور الحقة والحاقة واحد أي: القيامة تسمى الحاقة. قوله: (وحواق الأمور)، بالنصب أي: ولأن فيها ثوابت الأمور، يعني يتحقق فيها الجزاء من الثواب والعقاب وسائر الأمور الثابتة الحقة الصادقة. قوله: (الحقة والحاقة واحد)، يعني في المعنى، كذا نقل عن الفراء، وقيل: سميت الحاقة لأنها تحاق الكفار الذين خالفوا الأنبياء، يقال: حاققته فحققته أي: خاصمته فخصمته، وقيل: لأنها حق لا شك فيها.
والقارعة والغاشية والصاحة والتغابن: غبن أهل الجنة أهل النار أي: وهي القارعة لأنها تقرع القلوب بأهوالها وقال الجوهري: القارعة الشديدة من شدائد الدهر، وهي الداهية. وأصل معنى القرع الدق ومنه قرع الباب، وقرع الرأس بالعصا. قوله: (والغاشية)، سميت بذلك لأنها تغشى النار بإفزاعها. أي: تعمهم بذلك، وعن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب: الغاشية النار. وقال أكثر المفسرين: الغاشية القيامة تغشى كل شيء بالأهوال. قوله: والصاخة، هي في الأصل الداهية، وفي (الصحاح): الصاخة الصيحة، يقال: صخ الصوت الأذن يصخها صخا، ومنه سميت القيامة، وقال الثعلبي: الصاخة يعني: صخة القيامة، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أي: تتابع في إسماعها حتى تكاد تصمها. قوله: والتغابن، بالرفع عطف على ما قبله، وهو تفاعل من الغبن، وهو فوت الحظ والمراد. وقال المفسرون: المغبون من غبن أهله ومنازله
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»